خمسة وثلاثون عاماً من ممارسة الكتاب.. خمسة وثلاثون عاماً من التفكير في الكتاب وللكتاب، كانت الفكرة شبه خيالية، في ذلك الوقت من عام 1982، عندما قرر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تنظيم معرض للكتاب في إمارة الشارقة، فكيف يمكن لمعرض جديد أن ينجح، وينافس أعرق معارض الكتب العربية، ويكسب رهان الاستمرار، في وقت كانت لا تزال فيه مراكز الثقافة، وعواصم الكتب العربية التقليدية قوية ونشطة.. كان ذلك شبه خيال، لكنّ الخيال هو أصل الأفكار، ومادتها الأولى، وبعده تأتي الإرادة والعمل.
فلنعمل إذن.. هكذا قرر صاحب السمو حاكم الشارقة، وهكذا انطلق المشروع، يبني صرحه لبنة لبنة. وعاماً بعد آخر، كبر وترسخ وتقدم، ثم نجح فأصبح واحداً من أكبر المعارض العربية وأهمها. مئات الضيوف من المثقفين والكتاب، مئات دور النشر. أمّا الكتاب، فهو معرضه ومنصته الجامعة التي تصب فيها روافده من كل العالم. مليون ونصف المليون في ميادين المعرفة كافة. أياً كان نوع المعرفة الذي يريده القارئ، ونوع الكتب التي يبحث عنها، لابد أنه سيجدها هنا، في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
تطورت الفكرة وتوسع العمل، وتقدمت أساليب التنظيم، ودخلتها البرمجيات الحديثة، لكن بقي الكتاب هو الأساس. بقي معرض «كتاب» من أجل الكتاب، يقدم التسهيلات اللازمة لكي يوفر الكتاب لعشّاقه بأيسر طريقة، وأقل ثمن ممكن.
خمسة وثلاثون عاماً من أجل الكتاب، جمع المعرض خلالها على منصته كبار الكتاب والمثقفين الذين مروا عليه جميعاً، مشاركين في حواراته وندواته التي يعقدها، حول الراهن الثقافي، وتطوراته ومستقبله، تلك الندوات التي تشكل إسهاماً في زيادة الوعي الثقافي العربي، وبلورة حالة ثقافية عربية، أساسها المعرفة والحوار والارتباط بالراهن، وبلورة رؤية مستقبلية، يمكن أن تقود الثقافة العربية إلى أفق أكثر تنويراً وعطاء، وشكل حضور أولئك الكتاب والمثقفين في المعرض أيضاً مناسبة لحوارات مستمرة ولقاءات مباشرة، بينهم وبين قرائهم. تقدم إضاءات على كتبهم، وأساليبهم في التأليف الإبداعي، وجوانب من سير حياتهم، يمكن أن تكون قد أثرت في نوع الكتابة، وموضوعها، كل ذلك جمعه المعرض من أجل الكتاب.
خمسة وثلاثون عاماً من الشوق والترقب للكتاب. عادة تعوّد عليها القراء من كل مدن الإمارات، ومن الدول الخليجية المجاورة. يعرفون أن معرض الشارقة هو موعدهم الأهم مع الحبيب، الكتاب، الذي لا يمل ولا يتغير، والصديق الذي لا يخون، والجليس الذي لا يمل. يتسابقون إليه في موعده من كل عام. يعرفون أنه سوف يحمل لهم أطايب الأزهار مقطوفة لتوها من أنضر رياض الفكر، وأعذبها. إنه موسم القطاف. ما عليهم إلّا أن يعبئوا جعبهم بما يشتهون.
إنه بهاء المعرفة حين يلتقي المؤلف والقارئ والناشر على منصة الحوار حول الكتاب.
dah_tah@yahoo.fr