الكاتب والمفكر الإماراتي الدكتور يوسف الحسن في كتابه «المضحكات المبكيات في زمن التحولات»، يمارس ذلك الفعل التحليلي الصعب، ويحلل في إطار شواغله السوسيو سياسية بعض الطلاسم في حياتنا المعاصرة من خلال قراءة فلسفية تارة، ورؤية سياسية تارة أخرى.
الكتاب معروض على واجهة جناح اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، في المعرض ويقع في 196 صفحة.
وفي مجمل مجموعة المقالات التي ضمتها دفتا الكتاب، لا يخفي الدكتور يوسف الحسن عدم قدرته على مداراة الضحالة السياسية والخبال، ويسلط الضوء على هموم وإشكاليات وقضايا ثقافية ومثقفين مأزومين ومتغيرات تثير ضحكاً كالبكاء، واندحاراً لقيم جميلة وإنسانية وحضوراً قاسياً للتوحش والأنانيات والكراهية والميكيافيلية.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء يضم كل منها مجموعة مقالات، تحت العناوين التالية: المضحكات المبكيات، طلاسم وأسئلة صعبة، خبال «سكر زيادة»، ما حك جلدك مثل ظفرك.
في الجزء الأول يحلل لنا الكاتب عبر سؤالين مهمين هما: ما الذي يضحكنا هذه الأيام، وما الذي يحزننا هذه الأيام، مفارقات واقعنا العربي، الذي تبرز فيه النكتة فجأة لتحل محل الدمعة وتنوب عنها في ممارسة فعل الاحتجاج على الواقع، أو التعبير عن رفضه.
ويقول الكاتب مبرزاً تلك المفارقة المنسجمة: «قيل إن الضحك مع الناس عيد، وهاهم عربنا وكل أيامهم الراهنة أعياد، من كثرة الضحك يغالبون آلامهم وإحباطاتهم وكربهم بالنكات، و يقولون إن الأجر في اجتراح النكات يأتي على قدر المشقةّ،
ويتفاعلون معها وتزود مدركاتهم بمعلومات جديدة، فترفع من كفاءة عمليات أدمغتهم، وتريحهم قليلاً من عناء وتعب الأيام، ورداءة ما يسمعون ويشاهدون، من غلاظة ساسة، وثقل دم محللين «استراتيجيين» و«مفككين» (أقصد مفكرين) عرب».
ثم يضيف الكاتب مبرزاً دور النكتة كفعل رفض مختلف: «هي سلاح من لا حول له ولا قوة، ولا تسبب الدماء، لكنها تشكل نوعاً من التمرد السري، وبخاصة في أزمنة القهر، وقد سمعت صديقاً يقول ذات يوم، حينما ارتفعت الأسعار في الأسواق:
«الأسعار مولعة، تعال تدفأ معنا!».
الكتاب يمزج بين مستويات عدة من اللغة والأساليب التعبيرية، فتارة تبدو اللغة فلسفية نخبوية، وطوراً تبدو بسيطة مرحة
كابتسامات تصافح وجوه القراء، لذلك يبدو الكتاب منتمياً بامتياز إلى فئة السهل الممتنع.
أحياناً ترتسم الضحكة على الشفاه وكأنها قطعة بلاستيك ممطوطة أو محددة بالمسطرة والقلم، وهي إذ ذاك تخفي خلفها نهراً من المبكيات ينبع من القلب قبل أن يطفر من العين.
حينذاك من المنطقي أن نقول ما قاله جاك دريدا ذات يوم حين سمع بخبر جنون لويس آلتوسير: إنه حدث ثقيل، من الأفضل أن نلزم الصمت.
لكن الصمت هنا أمام الحدث الثقيل هو أيضاً ثقيل جداً، لذلك يتطلب الموقف شجاعة الكلام، ولكن ليس أي كلام، بل كلام يتجاوز الأجوبة السطحية ليدخل في صلب الأسئلة الموجعة المتتالية والمستفزة لمزيد ومزيد من التفكير.
ذلك أن تلك الأسئلة هي فقط التي تنجح في النهاية في البحث الرصين عن أجوبة مقنعة، وهي فقط المتسقة مع زمن كزمننا العربي المشغول بالتحولات.
الشارقة: محمدو لحبيب