كيف يمكن للمثقف والقارئ بشكل خاص أن يغدو فعالاً في مجتمعاتنا العربية؟ هذا السؤال يختزل إلى حد كبير رسالة معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين.
لقد تكرر ذلك السؤال كثيرا في الماضي، وطرح بصيغ شتى وقاد إلى نفس المحصلة الجوابية: نحن نعيش أزمة على مستوى نخبنا المثقفة في مفارقة محمولها الذهني المعرفي، مع ممارساتها الإجرائية على أرض الواقع.
والإشكالية التي يفرزها ذلك التساؤل ليست حديثة التشكل وهذا ما يجعلها خطيرة وتحتاج لحل غير تقليدي.
ففي روايته الثلاثية «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» يقدم لنا الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، نموذجاً لذلك المثقف السلبي، الذي يكتفي بالجلوس على ناصية مقهى في شارع خلفي للحياة، ناظرا بلامبالاة لنضالات شعبه وأمته من أجل التحرر والاستقلال.
وفي آخر مشاهد تلك الثلاثية الرائعة، تبرز صورة المثقف كمال أحمد عبد الجواد كمجسد لتلك الصورة، ولتلك المفارقة.
كذلك يقدم الكاتب الروائي إحسان عبد القدوس الإشكالية ذاتها في روايات متفرقة نموذج المثقف الذي ينتمي إلى نضالات بعينها، فقط لأنه يحاول أن يزيح عنه كاهل الملل، الذي تفرضه عليه بيئته الاجتماعية كأحد «أولاد الذوات»، وذلك عن طريق تبني أفكار نظرية لفترة من الزمن، ودون أن يسمح لها بأن تنعكس على واقعه الحياتي!
أما في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للكاتب السوداني الطيب صالح، فتغدو الهجرة إلى مناطق الآخر، أقل كلفة للمثقف من مواجهة أسئلة واقعه المحلي الصعبة، ومواجهة مسؤوليته عنها.
الأمثلة على تلك الاستقالة غير المعلنة من تفعيل دوره في الشأن العام تتعدد كثيراً، وتنبع غالبا من ذلك التناقض المنسجم كما يبدو بين النظريات التي ينادي بها المثقف وبين سلوكه كفرد من مجتمعه.
فحين ترى مثقفاً يحاضر عن ضرورات مواجهة الفكر المتطرف، ببنية فكر ينتقد كثيراً من السلبيات التي تنتشر في مجتمعاتنا كتركيبة سلوكية سيئة، ثم تنظر مرة أخرى فإذا بالمثقف نفسه الذي كان يزعم الاستنارة ويدعو لها، هو أول من يضرب المثل بنفسه على تلك الممارسات السلوكية المناقضة للحداثة والتطور والقيم الأخلاقية المناسبة لهما.
ميزة معرض الشارقة الدولي للكتاب وهو يشرف على اختتام دورته الخامسة والثلاثين الحالية، هي أنه قدم ضمن ما قدم من ممارسات إجرائية إيجابية، فضاءً متسعاً للنقد الثقافي، كما سمح من خلال ندواته ومحاضراته وفعالياته المتنوعة، في وضع الأصبع على جراحنا العربية، ورسم معالم خريطة طريق نظرية وعملية واضحة لعلاجها.
فالقراءة إن لم تتحول إلى فعل إيجابي يخدم عملية تطوير المجتمعات، ويضعها على طريق التجاوز لأشيائها السيئة، تصبح بلا معنى، وذلك بالضبط ما قدمه المعرض وأسهم بشكل فعال في بلورته.
pechike@gmail.com