السودان بلد شعر كبير، وهو «الوطن الشاعر» كما قالت خنساؤه روضة الحاج، ولن تعدم أن تلقى في شوارعه وحاراته شاعراً أو راوية للشعر محباً له، وقد كان افتتاح «بيت الشعر» في الخرطوم تأكيداً لهذه الحقيقة، فالجمهور كان كثيفاً، في كل مراحل الافتتاح، وكان البشر والسعادة بهذا الحدث واضحاً على وجوههم وألسنتهم، ولم يكن الذين تقدموا إلى منصات الإلقاء الشعري - على كثرتهم - مجرد شعراء، بل كانوا مبدعين، تتدفق قرائحهم بالصور البديعة والمعاني المبتكرة والإيقاعات المطربة، ما يدل على أن وراء هذا الكم من الإبداع ساحة ثقافية تمور بالشعر، وقد قال لنا الدكتور الصديق عمر الصديق بعد الأمسية الأولى التي شارك فيها عشرة شعراء، وتولّى تقديمها خطيبان مفوهان، «نستطيع هنا أن نقيم خمسين أمسية على شاكلة هذه الأمسية دون أن نكرر شاعراً أو مقدماً»، ومن عرف السودان يعرف أن ليس في هذا مبالغة، فهذا البلد العريض العريق في الثقافة لا شك أن فيه آلاف الشعراء.
هذه الساحة العريضة كان ينقصها - كما أكد الشعراء والإعلاميون - حضن يجمع شتاتها، ويؤوي مبدعيها، بعد أن شتتتهم النزاعات السياسية والخلافات التي أذهبت فاعلية اتحاداتهم، وشلّت عملها، فأصبحوا بحاجة إلى منصة مستقلة تهيئ لهم ظروفاً للإبداع، وجاء بيت الشعر ليكون استجابة لتلك الحاجة، ويضع تحت تصرفهم جميع إمكاناته، وقد حرص الإعلاميون على أن يستوثقوا من استقلالية «بيت الشعر في الخرطوم» واختصاصه بالإبداع، فكان رد رئيس دائرة الثقافة والإعلام عبد الله العويس واضحاً، بأن بطاقة عضوية بيوت الشعر التي ترعاها الشارقة هي فقط «أن يكون المرء شاعراً»، وأن بيت الشعر يقدّم دعما للشعراء على أنشطتهم المقامة تحت رعايته، وأنه سيعمل على نشر دواوينهم.
أولى الثمرات التي جناها شعراء السودان من «بيت الشعر في الخرطوم»، فضلاً عن أنشطة الافتتاح التي شارك فيها بالإلقاء ما يقارب عشرين شاعراً، هي المكتبة التي ضمتها قاعاته، والتي قسمت إلى عدة أجنحة ، كل جناح على اسم شاعر من الشعراء الرواد الذين تأسست على أيديهم الحركة الإبداعية في السودان، مثل: محمد سعيد العباسي، التيجاني يوسف بشير، محمد المهدي المجذوب، صلاح أحمد إبراهيم، إدريس جماع، محمد الفيتوري، عبد الله الطيب، محمد عبد الحي، وذلك تخليداً لعطائهم، وليكونوا دوماً حاضرين بين أيدي الأجيال الجديدة تعبّ من سلسبيل إبداعهم.
لا يخفي السودانيون فرحتهم ببيت الشعر، وامتنانهم لما تقدمه الشارقة للثقافة العربية عامة وللسودان بشكل خاص، وهم يربطون بين هذه الهدية اليوم، وهدايا سابقة كثيرة، بدأت بقاعة الشارقة، وتواصلت خلال العقود الأربعة الماضية، لتشمل تكريم المبدعين السودانيين، وإشراكهم بشكل دائم ومكثف في أنشطة الشارقة الثقافية.
Dah_tah@yahoo.fr