هي تشعر دوما أنها محمية بحب القراء، مهما أشعلت كتاباتها من حرائق، وأحدثت من رد فعل يطولها شخصياً، وترى أنها محتاجة لتطور دوما من أدواتها وأن الأهم لديها، أن كل عمل ينبغي أن يطورها، فالكاتبة الروائية بدرية البشر تعتقد أن المعرفة هي عملية غريزية ينبغي أن تستمر دائماً، وأن هذه المعرفة مرتبطة بالحرية، غير أن الحرية أيضاً مرتبطة بالمسؤولية.
«الخليج» حاورت الروائية والإعلامية بدرية البشر على هامش توقيعها لروايتها الجديدة «زائرات الخميس» في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته ال 35.
* كيف استطعت الخروج من نمطية الصورة الذكورية للأدب في نظرتها للكاتبة المرأة، وتقديم نفسك كروائية؟.
لو عدنا قليلا إلى فعل الكتابة في بداياته، أتذكر أنني كنت في بداياتي كمراهقة مشغولة بكثير من الأسئلة، وكنت أعتقد أن ثمة دروبا متعددة ومعقدة كيف أحصل على الإجابات، وكان أحد الحلول التي بدت أمامي لتفريغ ضجيج الأسئلة في ذهني، هو الكتابة، وكنت أعتقد أن هذا الفعل فعل فطري، وحين كبرت ودخلت الجامعة واقترحت علي إحدى صديقاتي نشر ما كتبته، فوجئت أن هذا الفعل هو عمل خاص وأنه ليس للجميع، وهنا نعود لسؤالكم، أنا لم أسأل نفسي في البداية كيف أصبح كاتبة؟ وما هي المخاطر التي ستواجهني لو كتبت؟، أقول «إن الكتابة بالنسبة لي عمل فطري قادتني إليه إلى حد كبير غريزتي، وحين تمارس عملا بشكل فطري تقوده الغريزة فهو لا يترك مجالا لتلك الأسئلة، وفي النهاية تتحول الكتابة إلى صناعة، وجماليات هذه الصناعة تملؤك إلى درجة أن لا تشعر بعدها بكلفتها.
* بدأت الكتابة في سن مبكرة، كيف استطعت في مثل تلك السن تشكيل ذلك التراكم القرائي إن صحت العبارة؟
أنا بدأت القراءة في سن التاسعة أو العاشرة، وقعت بين يدي بالصدفة قصة جميلة أبهرتني وشعرت أن ثمة حياة ساحرة بين دفتي الكتاب، وحياة مشوقة وأكثر تشويقا من حياتنا المملة كأطفال، لكن فعل الكتابة لا يأتي في البداية كصناعة، بل كتفريغ شحنات وطرح الأسئلة، ثم بعد ذلك وفي مرحلة النشر تتحول الكتابة إلى فعل تمرد على واقع يراه الكاتب سيئاً، والنشر هو الذي يضعك حقاً على طريق الكتابة، وأنا في بداياتي مررت بدروب لن أقول إنها متعثرة، بل أقول إنني احتجت إلى وقت كي أطور أدواتي وفهمي وحتى اليوم ما زلت أرى أنني بحاجة للتطوير، وكل عملي يطورني إلى مرحلة أخرى.
* ما دامت القراءة هي اللبنة الأولى لعملية الكتابة، كيف تتصورين دورها ودور القوانين المنظمة لها، في مواجهة تحديات الإرهاب والتطرف الفكري في العالم العربي؟
أنا أعتقد أن إنسانا لا يقرأ، لن يطول به الوقت حتى يتحول إلى إنسان مريض أو محدود الوعي والإمكانيات، والمعرفة بشكل عام هي عملية غريزية، والإنسان منذ بدء الخليقة كان يحتاج لأن يعرف، أن يعرف ربه، وأن يعرف لماذا منع من الأكل من الشجرة، فالذي يحجب نفسه عن المعرفة، والتي هي قديماً أو سابقاً كانت فقط في بطون الغيب، والآن باتت موجودة في «السوشيال ميديا» يساهم في هدم ذاته.
وبدون شك فإن القوانين المنظمة للقراءة والاهتمام بها، هو بمثابة انتفاضة روح اختنقت وضاقت بهذا المزاج السوداوي الكئيب الذي لم يؤد بنا إلا إلى قتل الإنسان ليس فقط لأخيه، فالقراءة و قوانينها ستعيدنا لطريق الإنسانية.
* نأتي لرواياتك التي تثير عادة جدلاً خصوصاً رواية «هند والعسكر»، كيف استقبلت كل تلك الاتهامات التي وجهت لك بعد تلك الرواية وكيف رددت عليها؟
التعامل مع رواية «هند والعسكر» مر بعدة مراحل، في البداية حظيت الرواية بحب الجمهور، ووصلني بالضبط ذلك الانطباع الذي أحتاجه ككاتبة كي أدرك أن عملي وصل للناس، بعد ذلك استخدمت الرواية كورقة في إطار خصومة إيديولوجية، بمعنى أن الحرب التي شنت على رواية «هند والعسكر» لم تكن أساساً موجهة إلى الرواية، بل كانت حرباً ضد الأفكار السياسية التي أطرحها بشكل يومي من خلال كتاباتي الصحفية في الزاوية الخاصة بي في «الحياة» و«الشرق الأوسط».
الطروحات التي كنت أكتبها هناك لم تكن تعجب بعض المؤدلجين الذين يعتقدون أن المرأة عليها أن تلزم الصمت، وأن لا يكون لها حضورها في الشأن العام، وأن لا يكون لها حضور في مجلس الشورى، وأن تصبح دوما تحت ولاية ووصاية مستمرة، أولئك أزعجهم هذا الصوت المختلف، فبدأت أياديهم تفتش عن ما يمكن أن يستغل في خصومة تقدم للغوغاء أو للقطيع، أو حتى الموظفين الذين يعملون معهم، فوجدوا بعض العبارات أو الأسئلة التي تطرحها طفلة في الرواية، فاقتطعوها ورموها في طريق القطيع وبعض تلامذتهم، وبدأت الحرب، لكن الجميل في الموضوع أني كنت مرتاحة ومطمئنة وأنا أجد الجمهور الذي أحب الرواية يقف في وجه هذا التيار في تويتر مثلاً، و شعرت دائماً أنني محم ية بحب الجمهور، وأحياناً تتدخل وزارة الإعلام السعودية لكي تقف في صفي لأنها تعرف أن هذه الحرب التي تشن ضدي هي بدوافع آيديولوجية أساساً.
* إلى أي حد يمكن للكاتب أن يمارس حرية الإبداع دون أن يخرج عن الضوابط الأخلاقية ومقدسات مجتمعه؟
الحرية قيمة أساسية في الحياة، ثانياً الحرية قيمة أساسية في التنمية، ثالثاً الحرية قيمة أساسية في الحضارات، وهي ليست مطلوبة فقط للأديب، هي أيضاً مطلوبة للعالم، للفيزيائي، للتقني، الجميع يحتاج الحرية، لكن ينبغي أن تكون لدينا مسؤوليات مقابل هذه الحرية، وهي احترام الناس واحترام المقدسات، أيضا أنا أعتقد أننا نذهب بعيدا في التأويل حين يتهم بعضنا بعضا بالإساءة للمقدسات، فنحن مجتمعات متدينة، ولا أعتقد أن مقارنتنا بما حدث في الغرب إبان الثورة على الكنيسة يمكن أن يكون واردا، فذلك لا يتماهى مع تاريخنا ولا مع سلوكنا العام كمجتمعات. و أعود فأقول»إن من البديهي أن الحرية لا تعني الفوضى، بل لا بد أن ترتبط بالمسؤولية، ولا أعتقد أن الإساءة للمقدسات فعل مسؤول، وأنا أحترم مقدساتنا انطلاقا من إحساسي بتلك المسؤولية.