تميزت الفنون الإسلامية بطابعها الخاص والمتفرد الذي يمكن تميزه عن باقي الفنون التي نشأت في باقي بقاع الأرض، وكان فن المنمنمات والتصوير الإسلامي أحد أكثر الفروع الفنية فرادة واختلافاً؛ إذ كان للمسلمين تصوير لا يقارن بالتصوير في الفنون الأخرى، لأنه وحيد في بابه، وعلى الرغم من أن الصور الإسلامية كانت كثيرة التشابه، فقد نشأت في الإسلام طرز أو مدارس في التصوير، لها مميزاتها، ويمكن أن يفرق ذوو الإلمام بالفنون الإسلامية بين منتجات كل مدرسة من هذه المدارس.
ذاعت أساليب المدرسة العربية وانتشرت مراكزها في المنطقة العربية من العالم الإسلامي، وكانت أهم المراكز الفنية لهذه المدرسة هي: بغداد، والموصل، ودمشق، والقاهرة، وقرطبة، وغرناطة، وكانت أعمال هذه المراكز من أوسع مدارس التصوير الإسلامي انتشاراً، ومن أقدمها. ولم يكن يخضع إنتاجها في أيامه الأولى لأسلوب واحد، وأقدم أمثلة التصوير الفني في المخطوطات أو على الورق ترجع إلى العهدين (الطولوني والإخشيدي).
وقد اشتهرت المدرسة العراقية أو مدرسة بغداد في (القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي).
ومن أبرز خصائص مدرسة بغداد في التصوير عدم إيلاء فنانيها اهتماماً بالطبيعة على الشكل الذي برزت به في الصور التي رسمها فنانو الشرق الأقصى، وعدم عنايتهم بالنزعة التشريحية أو التقيد بالنسب الخارجية للأشكال المرسومة كالتي سعى إلى تأكيدها الفنان الإغريقي. كما أن رسوم مدرسة بغداد كانت ذات ميل إلى التسطيح، ولم يولِ فنانوها أهمية لغير بعدين من أبعاد الصورة هما طولها وعرضها، أما العمق أو المنظور فلم يبرز اهتمام بهما إلا إبّان القرن التاسع الهجري. ولم يصل إلينا من أسماء الفنانين الذين قامت على أكتافهم هذه المدرسة إلا اثنان: هما عبدالله بن الفضل الذي كتب وصور سنة 619 ه/ 1222م مخطوطاً من كتاب خواص العقاقير، فيه نحو ثلاثين صورة، تناولتها أيدي التجار فوزعتها بين المتاحف والمجموعات المختلفة.
أما الفنان الثاني الذي اشتهر في المدرسة العراقية، فهو يحيى بن محمود بن يحيى بن الحسن الواسطي، الذي يعدّ أول مصور إسلامي قدّم أعمالاً فنية تحمل اسمه مع قيمتها التشكيلية والتعبيرية. وقد كتب سنة 634ه/ 1237م مخطوطاً من مقامات الحريري محفوظاً الآن في المكتبة الأهلية في باريس، وقد اشتملت المقامات على مجموعة من القصص تميزت بدقة الملاحظة، قام بتصويرها الواسطي بأسلوب رشيق بسيط، كشف عن مفهوم أصيل عبّر عن ملامح البيئة العربية فيما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وهي مؤلفة من 365 ورقة، وفي كل ورقة 15 سطراً كتبت بمداد أسود، وبالخط النسخ الجميل المنقط والمشكل. وفيها أيضاً زهاء مئة صورة لتوضيح الحكايات التي يرويها الحارث بن همام عن حيل أبي زيد السروجي ونوادره، ولا ريب في أن هذه القصص والرسوم كانت للحياة الاجتماعية في ذلك العصر، وسجلاً يمكن أن تستنبط منه البيانات الكثيرة عن العادات والحياة فيه.
وقد برهن الواسطي من خلال المقامات على براعة في التبويب والترتيب والتذهيب، وتنسيق الصفحات والهوامش، وتزيين العناوين حتى فاقت الصور أو المنمنمات التي رسمها النص نفسه من حيث البلاغة والإيضاح، وقد انتهى الواسطي من رسم مقامات الحريري في شهر رمضان، وحدد تاريخ ذلك، وقد كتب في آخر صفحة من المخطوط يقول: «فرغ من نسخها الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه وعفوه يحيى بن محمود بن يحيى بن الحسن، وصورها آخر نهار يوم السبت سادس شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمئة.. حامداً الله تعالى».
الشارقة: غيث خوري