تم الاحتفال بمرور 150 عاماً على اختراع الفوتوغرافيا عام 1972 ، وقد حاولت «جيزيل فروند» في كتابها «التصوير الفوتوغرافي والمجتمع» أن تروي تاريخ الفوتوغرافيا، التي بدأت بداية متواضعة، بوصفها وسيلة لتقديم الذات، ثم تحوّلت بسرعة إلى صناعة قوية جدا ومنتشرة وتغلغلت في كل مكان، وأسهمت كوسيلة لإعادة الطبع (الإنتاج) في جعل الفن ديمقراطياً، وجعلته متاحاً للجميع، وغيرت في نفس الوقت من رؤيتنا له، وباستخدامها كوسيلة لإخراج قلق المبدع أصبحت شيئا آخر خلاف النقل البسيط للطبيعة.
ولذا فإن الصور الجيدة قليلة جدا، فمن بين ملايين الصور المنشورة كل يوم في الصحافة والمنشورات نجد بعض الصور التي تتعدى كونها مجرد نقل بسيط، وقد ساعدت الآلة الفوتوغرافية الإنسان على اكتشاف العالم ورؤيته من زوايا جديدة، لقد ألغت المسافات، وبدونها لم يكن باستطاعتنا رؤية سطح القمر، لقد ساوت بين المعارف، وقربت بين البشر أيضاً، مع ملاحظة أنها تلعب أيضا دوراً خطراً كوسيلة تلاعب لخلق احتياجات وبيع منتجات وتشكيل العقول.
كما كانت الفوتوغرافيا - حسبما تشير المؤلفة - نقطة البداية للإعلام الذي يلعب اليوم دوراً مؤثراً جداً كوسيلة اتصال، وبدونها لم يكن للسينما والتلفزيون وجود، فمشاهدة الشاشة الصغيرة يوميا أصبحت مخدراً لا يستطيع الملايين الاستغناء عنه، لقد قام «نيسفور نيابس» بمجهودات يائسة لإعطاء قيمة لاختراعه، ولم يجد إلا الفشل، ومات في البؤس، وقليل من البشر هم الذين يعرفون اسمه، لكن الفوتوغرافيا التي كان أول من نفذها أصبحت اللغة الأكثر استعمالاً في حضارتنا.
توضح المؤلفة أن أعداد الكتب تضاعفت في القرن الخامس عشر بفضل جوتنبرج، لكن القراءة ظلت دائماً قاصرة على وسط المتعلمين، واليوم يعترف المثقفون بأنهم صاروا يقرأون أقل فقد أصبحوا أكثر اهتماماً بالصورة، فحتى المثقفين الأكثر رفضاً للتلفزيون لم يعد بوسعهم الهرب منه، فأطفالهم يطالبونهم به، إذ يشعرون بالمهانة في المدرسة عندما يدور الحديث عن برامج لم يشاهدوها.
ترى المؤلفة أنه عند التوجه لمخاطبة الحساسية فإن الفوتوغرافيا تمتلك قوة إقناع تستغل بوعي من طرف الذين يستعملونها كوسيلة استغلال، وتشير إلى أنه في كتابه «اعترافات معلن» نصح «دافيد أوجيلفي» أحد ممثلي الإعلانات الأمريكيين عملاءه باستعمال الصورة الفوتوغرافية أكثر من أي شيء آخر ، إذ إنها تقدم الواقع بينما الرسم أقل قابلية للتصديق، وهناك مئات الملايين من الهواة مستهلكين ومنتجين في آن واحد للصورة، وهم من الذين رأوا الواقع عند ضغطهم على زر الالتقاط، يعتبرون الصورة دليلاً لا يمكن إنكاره.
تقول المؤلفة: «لقد أعطينا أمثلة كثيرة عن الوسائل التي يمكن أن نغير بها الصورة وأن نجعلها تقول عكس ما كانت تعني في الأصل، لكن بسبب قابليتها للتصديق والتي جربها الجميع، بما أن الجميع من الهواة، بسبب ذلك تكمن قوتها، ويتم استعمالها المكثف في الإعلانات، كما يقوم المعلنون بالاستعانة بأطباء نفسيين متخصصين في «أعماق العقل الباطن» لدراسة رد فعل الإنسان أمام الإعلان، وهم يعرفون أن الصور تتجمع وتستقر باللاوعي، وتؤثر بعمق في السلوك».
القاهرة: «الخليج»