وسط ميراث أبيه من الكتب، قضى الشاعر عاطف عبد العزيز، طفولته المبكرة، لتنشأ تلك العلاقة الحميمية بينه وبين الكتاب، لكن الصدفة وحدها قادته إلى إحدى المكتبات العامة، والتي ظل يتردد عليها لعدة عقود، حتى بدأ في تكوين مكتبته الخاصة، والتي عكست اهتمامات مغايرة، عن مكتبة أبيه.. حول المكتبة، وتأثيرها في حياته، كان هذا الحوار معه.
} متى بدأت علاقتك بالمكتبة؟
ـــــ قضيت طفولتي المبكرة أعبث ببقايا مكتبة أبي الذي كان قارئاً نهماً في شبابه المبكر، إذ كان يحكي لي كيف أنه لضيق ذات اليد حينها، كان يستأجر الكتب الجديدة من بعض الباعة، ليقرأها ثم يعيدها ليأخذ غيرها إشباعاً لذلك النهم، نعم.. كنت أعبث فيما تبقى من تلك المكتبة عبث طفل جامح الخيال، أذكر الآن كيف كان شكل الكلمات المطبوعة على الورق وقتها يثير خيالي، إذ كنت أراها بعين الطفولة محض ذبابات التصقت بسطح الورقة، فلا يكون مني غير أن أحاول كشطها بأظافري.
هذه المرحلة - على سذاجتها - تركت أثراً عميقاً فيَّ، فقد وطدت بشكل خفي الألفة بيني وبين الكتاب مبكراً، ومن يدري فربما لفتتني إلى تلك العلاقة العضوية بين الإبداع واللعب.
} كيف كان الطريق إلى المكتبات العامة؟
ـــــ نشأت في ضاحية الزيتون بشرق القاهرة، وهي ضاحية هادئة كانت تسكنها الطبقة الوسطى الصغيرة حتى نهاية الستينات من القرن الماضي، تلك الطبقة التي لم يكن ليحظى أطفالها في هذا الزمن بأي نصيب من الترف الذي يعرفه أطفال ضواحٍ أخرى مجاورة كمصر الجديدة على سبيل المثال، لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون القراءة والمطالعة من الهوايات الشائعة بين أجيالنا، بل إنها كانت تمنح أصحابها امتيازاً اجتماعياً بين أقرانهم في ذلك الوقت الذي كان للعلم فيه مكانة مرموقة.
لعبت المصادفة دوراً مهماً آخر في تعميق علاقتي بالكتاب، ذلك حين لاحظت أن هناك مكتبة عامة تقع في منتصف المسافة بين بيتي ومدرستي الابتدائية، كنت قد تعلمت القراءة في تلك المرحلة، هكذا عرفت طريقي إلى أرففها التي كانت تزخر آنذاك بقصص ألف ليلة وليلة المعدة للناشئة، وكذلك كتب كليلة ودمنة، وقصص كامل الكيلاني للأطفال.
} كيف كونت مكتبتك الخاصة؟
ـــ بقايا مكتبة أبي كانت النبتة الأولى، لكنها سرعان ما اضمحلت لتحل محلها مقتنياتي الخاصة التي عكست اهتمامات مغايرة، يمكن القول إن مكتبتي تبدلت عدة مرات، خاصة أنني بحكم محدودية الأمكنة، كنت أضطر إلى التخلص من بعض مقتنياتي كل فترة، أعني تلك المقتنيات التي أشعر بأنني لن أكون بحاجة للعودة إليها، ضيق الأمكنة أيضاً جعل مكتبتي موزعة في بعض الأوقات بين بيتي وبيت العائلة، الأمر الذي أدى إلى فقدان الكثير من الكتب أو تلفها، مكتبتي إذن تكونت من اهتماماتي التي دفعتني إلى اقتناء كل ما يثير شهيتي للمعرفة، سواء كان ذلك من مصر أو خارجها، وتكونت أيضا من إهداءات الأصدقاء من المبدعين.
} ما أهمية المكتبة في حياتك.. هل تطاردك الكتب؟
ــ المكتبة بمعناها الواسع هي ركن أركان في حياتي، أي إنها واحدة من أهم أدواتي لمقاربة تلك الحياة، لكنها كأي أداة ينبغي علينا التنبه لأوجه قصورها والاحتراز من الاطمئنان إليها، لأن الحياة ذاتها تظل هي المكتبة الأشمل.
} ثمة ركن خاص في مكتبة المبدع، لا يمل من الرجوع إليه.. صف لنا مكتبتك؟
ــ مكتبتي خليط هائل من الكتب في شتى حقول المعرفة، ربما ذلك لإيماني بأن الشعر مجال للمعرفة الإنسانية وخبراتها، قد لا يصدقني أحد إذا قلت إن التاريخ يستحوذ على جانب كبير ومعتبر في مكتبتي، فأنا من عشاق التاريخ بمعناه الأعمق، خاصة أنني أبحث دوماً عن التاريخ الشعبي، وليس التاريخ الذي دونه القادة والمنتصرون الذي يجيء عادة ممتلئاً بالأكاذيب، أبحث عن التاريخ في مظانه المتعددة، في التراث الأدبي الذي أهمله النقاد، وفي السير الشعبية، والأغاني والشرائط السينمائية القديمة، والمسكوت عنه في أشعار الشعراء.
} هل يستحوذ الشعر على الجزء الأكبر من مكتبتك؟
ــــــ من الطبيعي أن يستحوذ الشعر على جانب أساسي من مكتبتي، وأنا أعني هنا دواوين الشعر القديمة والحديثة، وكذلك كتب النقد، غير أن الرؤية الحديثة للشعر بحسبانه نصاً جمالياً ومعرفياً في آن - كما يجسدها النص الجديد الذي حاولت أجيالنا تكريسه - تجعل من كل حقول المعرفة خلفية للشعر.
} البعض الآن يلجأ إلى قراءة الكتب في نسختها الإلكترونية.. كيف ترى ذلك؟
ـــ أنا من هؤلاء الذين يلجؤون إلى قراءة الكتب الإلكترونية في كثير من الأحيان، وذلك لعدة أسباب، أول هذه الأسباب أنها توفر لي الكتاب الذي نفدت طبعاته ولم يعد له وجود ورقي في الأسواق مثل كتب التراث وغيرها، وثانيها أنها توفر عليّ أموالاً طائلة تتطلبها أثمان الكتاب المطبوع الآن، ثالث تلك الأسباب، أن الكتاب الإلكتروني سهل التداول ولا يحتل حيزاً، أي يمكنني الاحتفاظ بآلاف الكتب مرتبة ومن