باسمة يونس
كتب «كولن ولسن» في مقدمة كتابه «فن الرواية» أن جوهر المشكلة في رواية القرن العشرين هو أن الروائي لا يعرف ما يريده من الحياة، وهو بهذه العبارة يبدو وكأنه يتهم كتاب الرواية اتهاماً يجعل هذه الرواية مجرد كتابات بلا هدف أو بلا طموح، فهل يمكننا قبول مثل هذا الرأي، في الوقت الذي بدأت فيه الرواية تأخذ مكانتها وتشغل حيزاً كبيراً، مقارنة بالفنون الأدبية الأخرى؟
إن نظرة عاجلة إلى معظم ما يقوله أهم الروائيين الذين باتت أعمالهم تؤرخ لنجاحاتهم في هذا المجال حول سبب كتابتهم للرواية مثل «باولو كويليو» الذي يؤكد بأنه يكتب ليجيب عن الأسئلة التي تملأ رأسه، وكي يحقق حلماً يتراءى له دائماً، ستجعلنا ننظر بطريقة مختلفة إلى الروايات، ورفض ما يقوله «كولن ولسن» تماماً، فبدلاً من الفكرة السائدة حول قراءة الروايات للاستمتاع فقط، سوف نبدأ ربما في البحث فيها عن تلك الأجوبة التي يحاول الكاتب إيجادها قبلنا، وربما ستجيب بالتالي عن تساؤلاتنا نحن كذلك عن أحلامنا وكيف نحققها.
لا شك في أن نجاح الروائي في التواصل مع القارئ، لا يتوقف فقط عند حدود إمتاعه بلغة جميلة أو فكرة مبدعة أو تفاصيل مبهرة، بل يتعدى هذا إلى قدرة الرواية بمحتواها وتركيبتها وحبكتها على استثارة تساؤلات القراء عن الحياة وفلسفتها، وعن كل ما يتعلق بالمشاعر وكيفية التعامل معها، وعن الشخصيات التي سيجد نفسه أحياناً ينظر إليها نظرته إلى المرآة العاكسة.
ولا شك بأن الروائي مسؤول دائماً عما يقدمه للقراء مسؤولية هائلة تفوق حجم ما يتخيله، وإن كان هناك من يرفض فكرة الكتابة لتوصيل رسالة أو توجيه المجتمع، لكن مسؤولية الكاتب تقع عليه من منطلق سهولة استدراج القراء لقراءة رواياته، وهنا، عليه التفكير بأنه سيكتب لتنمية وعي القارئ أو تضليله؛ لأنه سيدفعه بدون أن يدري ليبدأ هو الآخر بطرح تساؤلاته الخاصة عن معنى الحياة بالنسبة إليه، وكيف يمكن أن يحلم ويحقق أحلامه كما يريد.
وربما يعتقد البعض أن الرواية لا تسرد سوى قصة مسلية، تخوض في عالم خيالي لن يحقق للقارئ الجاد أو الطموح لكتابات أكثر جدية أية فائدة، عدا متعة القراءة والاستئناس بقصة، لكن الروايات قد أثبتت على مدار الزمن بأنها مؤسسة تعليمية ومجتمعية تحوي كل ما يمكن التفكير فيه من تفاصيل لشخصيات وأحلام وتوقعات وطموحات، لا تتوقف عند حدود حياة كاتبها أو أحلامه الخاصة، لكنها تتجاوزه لتستلهم وجودها من حياة كل الناس وتخاطب مجتمعات بأكملها.
والروايات التي كتبت قبل عقود طويلة ولا تزال تقرأ وتعاد طباعتها وتمثيلها وتجسيدها بأكثر من وسيلة وتقنية، رغم تطور الزمن وحداثة العصر، جديرة بالإجابة عن أي تساؤل حول أهمية الرواية، ولماذا يكتبها الروائيون، وماهو الهدف منها اليوم ومستقبلاً؟.
basema.younes@gmail.com