وقبل ألف عام تقريباً تبنّى الإمبراطور «وو» من أسرة هان الصينية العظيمة، أفكار كونفوشيوس، وفضلها على المدارس والأفكار الأخرى، حتى إنه حظر الأفكار الأخرى، الأمر الذي جعل الصين في وقتها دولة كونفوشيوسية، وقبل ألف عام قال تشاو بو، أول رئيس وزراء في إمبراطورية سونغ التاريخية الصينية، إنه يستطيع إدارة العالم المعروف آنذاك، بنصف كتاب «مختارات كونفوشيوس»، ومن هنا يمكن معرفة الأثر الكبير والفعال الذي لعبه كونفوشيوس في الحياة السياسية والاجتماعية في الأزمنة القديمة، والاحترام الكبير الذي حظيت به تعاليمه المعروفة لدى الناس في تلك الفترة.
ولكن ما الأثر الفعال والتطبيقي لهذه التعاليم في المجتمع؟ تسأل المؤلفة وتجيب: عندما قدّمت مسودة كتابي هذا إلى شركة نشونغهوا للطباعة والنشر في الصين في نهاية عام 2006 كنت واثقة من نفسي، لكن مضطربة قليلا، فقد بدأت بحوثي لشهادة الماجستير في موضوع الأدب، قبل عصر أسرة تشين، وكنت في الحادية والعشرين من عمري، ثم ترعرعت وتأثرت بكتب من إصدارات هذه الشركة، لكنني لم أجرؤ أبداً أو أحلم بأن تقوم هذه الشركة المتميزة بنشر كتاب لي، ولم يكن أمامي سوى الأمل بأن أتحدث في يوم ما عبر التلفزيون عن كتاب «مختارات كونفوشيوس»، كنت دائماً أكنّ احتراماً كبيراً لهذا الكاتب، ولم أخشه أبدا، وكانت مشاعري تجاهه دائما سلسة بسيطة ودافئة.
وتشير المؤلفة إلى أن الحكماء لم يستخدموا أبداً الأسئلة التقليدية الغامضة لإخافة الناس، ولم يلجؤوا إلى حشو كتاباتهم بعبارات رنانة أو كلمات صعبة لتعقيد الأمور عليهم، إن الحقائق البسيطة في هذا العالم قادرة على الولوج في قلوب الناس، لأنها لم تتعلق أبداً بتوجيهات، بل هي دعوة من الداخل لإيقاظ كل القلوب والأرواح، أما سبب بقاء هذه الحقائق البسيطة حية على مدى قرون عدّة، فيكمن في أنها ساعدت أجيالاً عديدة من الصينيين على التمسك بجذورهم وفهم حقيقة الأمة والثقافة التي تشكلوا منها، وعلمتهم كيف يحافظون على أنفسهم حتى عند مواجهتهم لتغيرات اجتماعية جسيمة وخيارات صعبة.
ترى المؤلفة أن «الذين يستفيدون من حكمة كونفوشيوس قد يشعرون بلحظات تجلٍ تلامس شغاف قلوبهم، وخلالها يحسّون بتيارات حيوية مفاجئة من الإدراك، تتدفق في دواخل نفوسهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر، قد يحتاجون لدراسة أبدية تمتد طوال الحياة ليدركوا المغزى».
وتوضح أن ما يمكننا تعلّمه واكتسابه من «مختارات كونفوشيوس»، هو الحقائق البسيطة التي يفهمها الجميع في قلوبهم، رغم أنهم لن يسمحوا إليها بالخروج كحديث على أفواههم، فحكمة كونفوشيوس لا تلسع أيدينا بسخونتها، ولا هي باردة كالثلج، فدرجة حرارتها أكثر قليلاً من درجة حرارة الجسم، ذلك لأنها ثابتة وراسخة على مر العصور.