تأتي الدورة التاسعة لمهرجان طيران الإمارات للآداب التي بدأت صباح أمس في دبي، وتنتهي في 11 مارس/آذار الجاري، لتعزز من جديد هوية المهرجان العالمية، ومزجه الثقافي بين الحضارات وبين كتاب وفنانين وإعلاميين من الشرق والغرب التقوا هنا في الإمارات، وعاينوا عن قرب روح دبي الإنسانية الكونية وانفتاحها الثقافي على جهات العالم الأربع بأنماط معرفية تنموية حداثية، إلى جانب التأكيد على أصالة التراث والثقافة الشعبية في الإمارات.
العالم يتكثف في مدينة، والمدينة تتكثف في موقع المهرجان.. قد يكون هذا هو الوصف الأكثر مقاربة لمشهديات المهرجان في يومه الأول، وإذ بدأت الفعاليات منذ التاسعة تقريباً، بشكلها الاجتماعي الأول تلفتك في البدء صباح دبي و تلك الحيوية الشابة البادية على وجوه شباب وشابات لا يتجاوز الواحد منهم العشرين من عمره وهم يرتدون القمصان البنفسجية ولا تفارق البسمة وجوههم الطفولية العفوية. ويسألونك بأدب جم فيما إذا كنت تريد مساعدة، ويتحركون بنشاط وأناقة في ردهات موقع المهرجان في فندق «انتركونتننتال» الذي تحول إلى ملتقى عالمي متسامح ومتشارك في بهجات المهرجان الذي يجمع بين الثقافة والآداب والفنون والعلوم. وتقوم فعالياته الموصولة يومياً منذ العاشرة تقريباً يومياً بالنسبة للفعاليات الرئيسية وحتى التاسعة ليلاً في بيئة من التلاقي الحضاري الذي يعكس ثقافة السعادة والتشارك المدني الإنساني.
إننا في قلب تظاهرة ثقافية ترفيهية استثمارية أيضاً تقارب بذكاء بين المعرفة والأدب والثقافة، وبين الاقتصاد، وقوام هذه التظاهرة 180 كاتباً وكاتبة من العرب وغير العرب، وبالطبع يحضر الاسم الثقافي الإماراتي في هذا الحدث العالمي، من خلال كتاب وكاتبات من الإمارات تتوفر لهم فرصة الالتقاء بكتاب عالميين، ولك أن تستنتج هنا أن مثل هذه اللقاءات سوف تثمر على مديات زمنية معينة علاقات ثقافية مشتركة، إن على صعيد الكتابة في حد ذاتها، أو على صعيد النشر والترجمة.
33 دولة جاءت إلى الإمارات والتقى ممثلوها الثقافيون في دبي التي تختصر العالم في إمارة في إطار مهرجان يبدو أنه أكثر من مهرجان.. أو أنه (مهرجانات) في مهرجان، فمن الحوارات المفتوحة مع الكتاب إلى ورش العمل، إلى معرض نخبوي للكتاب العربي والأجنبي إلى حضورات متلاقية أخرى.. تحضر الكتابة، والسينما، والتكنولوجيا في المهرجان. النشر، التاريخ، والرواية، الأدب النسوي، التصوير، كتابة السيناريو، الخيال العلمي كل ذلك حاضر في المهرجان.. وهذا كما يقولون غيض من فيض.
لقد توقفت في جناح الكتب العربية، وكان لافتاً أن نلتقي بعناوين نوعية في الجناح مثل كتاب: (خلف أحمد الحبتور السيرة الذاتية)، وكتاب: (ما بين زوجتين) تأليف حسين علي لوتاه، إضافة إلى عناوين أدبية وثقافية مختلفة: (الحب غابة أم حديقة مريد البرغوثي)، (ساعة بغداد شهد الراوي)، (هيبتا (( محمد صادق)، (قرين - د. منذر القباني)، (مصائر-ربعي المدهون)، (لن أكره -عز الدين أبوالعيش)، (هل من مزيد حمد الحمادي)، (الحدود المصنوعة بالدم إبراهيم فرغلي)، (في عين الإعصار عدنان الباجه جي)، (طائر الرعد سونيا نمر)،(أيتام غيروا مجرى التاريخ عبدالله صالح الجمعة)، (غراميات شارع الأعشى بدرية البشر)، (عائشة تنزل إلى العالم السفلي بثينة العيسى)، (عطارد- محمد ربيع)، (في ممر الفئران أحمد خالد توفيق)، (مدن ونساء سعيد البادي)، (حارس الشمس إيمان اليوسف)، (كابوتشينو فاطمة شرف الدين)، (سلطنة هرمز ريم الكمالي)، (رحلة فيل هدى الشوا القدومي)، (المعنى من الذاكرة الشعبية، للباحث الإماراتي عبدالعزيز المسلم).. إضافة إلى عناوين أخرى، ولكن من الملاحظ أن العناوين الأجنبية أكثر بكثير من العناوين العربية، والملاحظ أيضاً أن بعض مؤلفي هذه العناوين العربية والأجنبية هم حاضرون في المهرجان.
من مشاهدات صباح أمس أيضاً كان لافتاً ومفرحاً حجم حضور الأطفال بشكل خاص مع ذويهم وتجوالاتهم بين فعاليات المهرجان الذي خصص للأطفال 50 ورشة عمل، إلى جانب أن معرض الكتاب المصغر المصاحب للفعاليات يطرح عناوين جاذبة للأطفال.
إن من بين الفعاليات التي يتوقف عندها زائر المهرجان أمسية «أبيات من أعماق الصحراء» التي ينتقل فيها الشعراء والكتاب مساء إلى الصحراء، ويقرأون شعرهم ونصوصهم في فضاء رملي دبوي مفتوح تحت سماء صافية وفي مناخ معتدل في شهر مارس، وقد شهدت الدورات الماضية احتفاء بهذه الفعالية الصحراوية التي تتواصل هذه الدورة أيضاً في التاسع من مارس الجاري، ويحيي هذه الفعالية (الشعرية) بامتياز شعراء جدد هذه المرة من العرب والأجانب.
نكتب عن مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته الجديدة، ونحن نعيش عام الخير، وشهر القراءة في الإمارات.. ثقافة القراءة تكرس في المهرجان ثقافة الخير التي هي ثقافة التعايش المدني الحضاري، كما التعايش الثقافي الإنساني المتبادل بين نخب العالم.. والمهرجان في ذروته يحمل كل هذه القيم والأخلاقيات النبيلة.
يوسف أبو لوز