Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18113

لغة راقية

$
0
0
علاء الدين محمود
يتحدث كثيرون عن لغة المجتمع الراقي، أو النخبة، وهي طريقة الحديث، ذات الأسلوب الخاص، وهي المنسجمة مع ما يسمى بأخلاق تلك النخبة، في مقابل لغة متدنية أو منحطة يتحدث بها الناس والأفراد في أطراف هذا المجتمع، وهذه التقسيمات طبعاً ناتجة عن التفاوت في مستوى المعيشة بين فئات هذا المجتمع.
وحقيقة لا يوجد تفسير عقلي لمعنى لغة راقية في مقابل لغة منحطة، بعيداً عن تصورات ذهنية محددة لمدى هذا الرقي، ولا يمكن في ذات الوقت أن نتجاهل اللحظة الأيديولوجية التي تقف وراء هذا الوصف، أي تلك التي تعبر عن موقف اجتماعي سائد ومسيطر في مجتمع ما، بالتالي يلغي ويسقط من حساباته أي لغة أخرى بحجة أنها ليست راقية على مستوى التعابير والمفردات، أي لا تتوافق مع أخلاق النخبة، أو الطبقة أو الجماعة المسيطرة، والتي يسود خطابها اجتماعياً، بالتالي تمارس الإقصاء على لغة أخرى، تلك التي تسميها النخبة بلغة القاع، وتدعو هذه الفئة في الوقت ذاته إلى سيادة لغتها وتمثل أخلاقها لتكون هي المثال المجتمعي في طريقة الحديث وأسلوبه وكذلك طريقة العيش واللباس.
هذا الموقف الذي يحكم انحطاط لغة ما، ويعلي من شأن أخرى إنما هو موقف إقصائي صارم، يقسم المجتمع إلى قسمين: فئة راقية تتخاطب بأسلوب مختلف، وفئة أخرى تقبع في قاع المجتمع ذات لغة منبوذة وأقل مستوى، وهذا الموقف يسود في المجتمعات المنقسمة طبقياً بشكل حاد، حيث توجد فئة من الأغنياء، وفئة وسطى، مقابل فئة من طبقات الفقراء، أشد فقراً ولهم ظروف حياتية خاصة ومعظمهم جاؤوا من الأرياف البعيدة بسبب ظروف مختلفة، ليعيشوا على تخوم المدن، ويتحدثوا بطريقة مختلفة من تراكيب اللغة العامية، ولكن للغة دائماً منطقها الخاص من حيث السيادة، فإلى جانب أنها أداة للتواصل بين أفراد المجتمع، وتخترع بواسطة الفئات الأكثر سيطرة، فكذلك هي ثقافياً دالة على هوية الفرد والمجتمع.
فلئن كانت هي أداة التواصل الاجتماعي، فمن المفترض أن تسيطر لغة الطبقة السائدة، ولكن لأن للغة منطقها الخاص، تنسل كلمات ومفردات من قواميس هذه اللغة المحكوم عليها بلغة القاع لتسيطر، إذ إنها تتمتع بحيوية شديدة، فتشكو حينها الطبقة الراقية من انتشار الابتذال والركاكة، لكن الصحيح أن هذه اللغة تمتلك الحركية والحيوية التي تجعلها قادرة على الإبداع واستيعاب كل جديد، بالتالي تتسرب كلماتها ومفرداتها إلى قواميس المجتمعات الراقية لتصبح جزءاً منها في التعبيرات اليومية.
وغالباً ما تكون هذه اللغة أقرب إلى تداول فئة الشباب، وتصبح معبرة عن تجمعاتهم بعيداً عن أعين الرقيب، مأخوذة من الفئات الدنيا في المجتمع، تلك التي تعاني التهميش وتعيش في جماعات معزولة، هؤلاء الشباب ينتجون لغة تخاطب خاصة بهم، لكنها تتمتع بحيوية كبيرة، فتصبح مؤثرة في أوساطهم مثل «لغة الروشنة» التي يستخدمها الشباب في الجامعات، وهم بطبيعة الحال ينتمون إلى فئات وطبقات اجتماعية مختلفة، ولهم في الوقت ذاته همومهم المشتركة، فيقومون بتأليف لغتهم، وهنا يقتربون بشكل احتجاجي مع ما نسميه لغة القاع.

alaamhud33@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18113

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>