Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

ندوة ملتقى الخط: النقطة موسيقى البصر

$
0
0
الشارقة:محمد ولد محمد سالم

انطلقت صباح أمس في قاعة الفارابي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة الشارقة، الندوة الفكرية المصاحبة للدورة السابعة من ملتقى الشارقة للخط العربي، وتناولت موضوع «النقطة في المشهد الفكري والبصري والجمالي»، وتستمر الندوة على مدى يومين، ويتحدث خلالها باحثون من عدة أقطار عربية. وشهد اليوم الأول جلسة واحدة اشترك فيها كل من الدكتور إياد حسين عبدالله من العراق، والدكتور محمد حسين من مصر، والدكتور رضا جمعي من الجزائر، وذلك بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة.
وقال الدكتور إياد حسين في مستهل مداخلته إن نظرية النقطة بوصفها مشروعاً لبرنامج فني وبصري واسع قادت إلى تأملات رسمت ملامح واضحة لنظرية جمالية في فن الخط، توصف أحياناً بأنها وهمية لا تتحقق إلا بالبرهان ولا تُعرف إلا بالخبرة، وهذه الجمالية لها موسيقى بصرية، إذ كما يتحكم الموسيقيُ في أحاسيسه تماماً وهو يصوغ نغماً بذاته، تبقى النقطة لازمة موسيقية بصرية وجمالية.
ورأى د. حسين أن النقطة هي مثار جدل في الفكر والفن، وهي السر الكامن في فن الخط وكتابة الحروف والكلمات في الشعر والأدب، وأنها أحد عناصر البداية في التكوين والصيرورة والسر الخفي في الهندسة والأرقام وتكوين الأشكال، وفي جدلها مع الفكر والحياة تتجلى النقطة من إحاطتنا البصرية ورؤيتنا النظرية للأشكال والخطوط، وقد يصعب إدراكها أحياناً، إذ نتلمس أثر حركتها الروحية في ذواتنا، وذلك عند التقاء خطين أو عند تقاطعهما أو عندما نراها متحركة تترك وراءها سيلاً ممتداً هو الخط، ما يجعلنا نستدل عليها ولا نراها.
وأضاف د. حسين أن النقطة في الخط العربي هي علامة مستديرة غير مطموسة، صغيرة توضع فوق الحرف المعجم أو تحته لتميزه، وكانت تستعمل في الكتابة القديمة للشكل أيضاً وتستعمل النقط في بعض اللغات السامية الأخرى لشكل الحروف، وأشار د. حسين إلى أن الخط العربي ارتبط بالرياضيات والهندسة منذ أول ظهوره ومازال مثلما ارتبطت بهما الكثير من الفنون كالعمارة والموسيقى وغيرهما، وقد أفاد هذا الارتباط في تطور ونضج بنية الخط الشكلية والجمالية، من خلال اعتماد مقاييس معينة للحروف ووضع علاقات تناسب بين الحروف وأجزائها وموضعها، وتعد «النسبة الفاضلة» التي وضعها ابن مقلة من أولى المحاولات التي قيدت الخط بنسبة ثابتة لا تتغير، حيث اتخذ طولَ الألف مقياساً، وجعل عرضَ أي خط يساوي ثُمن الألف في ذلك الخط، فعرْض خط الثلث يساوي ثُمن الألف فيه، ومستوى الخطوط في سطره لا يخرج عن الدائرة التي قطرها الألف، هذا إلى جانب معايير تحسينية مثل والإكمال والإرسال والإشباع.
وخلص حسين إلى أن سبيل الدقة والإتقان في ضبط الحروف تتجاوز بكثير موضوع النقطة كوحدة قياس، فشكل الحرف وجماله يحتاج إلى صياغة وضبط أكثر دقة من النقطة كمقياس وحيد.
ورقة الدكتور محمد حسين تناولت «النقطة في الخط العربي عند المتصوفة من الخطاطين»، واستهلها بالحديث عن مفهوم الكاليغرافيا كعلم جمال للخط يدرسه دراسة شاملة تدخل فيها أبعاد فنية وفكرية وتاريخية ولغوية وأثرية، ويقوم على عملية مسح شاملة لظواهر الخط بغية معرفة عناصر تكونه وأسس جماله العامة، وأشار د. حسين إلى أن الدراسات الجمالية المعاصرة في مجال الخط العربي اتسمت في أغلبها بالنظرة الجزئية التي تركز على جانب واحد فني أو فكري، وتنطلق كذلك من معطيات خطية جزئية، ومثل هذه الدراسات تظل قاصرة عن الإحاطة الشمولية بفن بأسس الجمال في الخط العربي، واستعرض المحاضر نماذج من الظواهر الجمالية المتفردة، كنوع من الكتابة الخاصة في العمارة الأندلسية، وخطوط خاصة على الخزف الإيراني، والكتابات الخاصة بالبرديات المصرية، فمثل هذه الخطوط لم تنشأ من فراغ ولا بد أن يكون سبقها تطور واجتمعت لها عناصر خاصة بالمكان الذي نشأت فيه وأكسبتها تلك الخصوصية، لكنّ تلك العناصر لم تدرس حتى الآن من منظور كاليغرافي شمولي يمكن أن يحددها بدقة.
وتحدث د حسين عن النظرية الجمالية في الفن الإسلامي فرأى أنها تتحدد وفق رؤى القبول المسبق بلقاء الروحي والمادي، فالفن لا يقوم بالمادة وحدها، ولا بد له من البعد الآخر وهو الروحي، والموقف الجمالي الإسلامي ينهض في الأساس على الروحي، ويتصل اتصالاً وثيقاً بمفهوم العقيدة عند المسلم، وإذا كانت الوحدانية بمثابة المركز في هذا المفهوم فإن مفاهيم الحق والخير والجمال ليست إلا وجوهاً لذلك الجوهر الوحداني.
وتناول د. حسين النقطة قائلاً: إنها تظهر في كثير من الأشكال الزخرفية، وإن كل شكل هو في الأصل نقطة، وإن الفكر التصوفي جعل النقطة أساساً مركزياً في تصوره للعالم، لأنها ترمز لنقطة الباء في آية البسملة التي يبدأ بها المصحف الشريف، فالنقطة هي البداية والمنطلق والمركز من كل شيء، وهي الدائرة التي تلتف حول الكون، وقد عمد الخطاطون المتأثرون بالصوفية إلى تمثل مفهوم النقطة الشامل في الخط عبر أشكال فنية مرتبطة بفكر الصوفية، مثل الدائرة وشكل العمامة الصوفية، والشكل المتناظر وشكل البيرق، وغيرها من الأشكال التي تعود إلى مفاهيم كان لها بعد خاص عند الصوفية، ما يعني أنهم أثروْا بكتاباتهم مفهوم الجمال في الخط العربي.
أما د. رضا جمعي فقد حملت ورقته عنوان «النقطة والتحليل الماهوي لفعل الخط»، وحدد فيها المراد من مفهوم التحليل الماهوي لفعل الخط بأنه دراسة الخط في حالة الفعل، أي الحالة التطبيقية، وليست الحالة النظرية، وقرر أن الخط العربي هو في الصميم فن تشكيلي يشتمل على كل عناصر الفعل الفني، وتقف وراءه ضرورة هي التي تدفع الفنان لإنتاجه، ويمكن ملاحظة اشتماله على كل التيارات الفنية المعاصر، ففيه التيار المفاهيمي والتيار التجريدي وفن الأداء.
وقال جمعي إن ما يدرك من الخط بشكل مباشر هو الصورة البصرية التي تواجهنا عندما ننظر إلى اللوحة الخطية، وذلك قبل أن نفكر في المعنى، فالخطاط لا يعنيه أن يكتب واواً أو ألفاً أو حاء، وإنما هو يتعامل مع صورة تستقر في ذهنه ويتحرك بها قلمه، وهذا يعني أن فن الخط هو «فعل» جمالي.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles