فنون البينالي أفق

عندما تتوافر رؤية واضحة لإقامة الفعاليات الثقافية، فهذا يؤدي إلى نجاح هذه الفعاليات في استقطاب الجمهور أولاً، ومن ثم ستحقق أهدافها الأخرى مهما كانت درجة صعوبتها.
وقد نجح «بينالي الإمارات الأول» الذي أقامته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة منذ أيام في مدينة العين اليانعة، بحضور عدد كبير من الفنانين العرب والأجانب في تحقيق معادلة التحالف والتآلف بين الفن التشكيلي والفن الموسيقي وفن الطبيعة وتذوقها، فكان بذلك فعالية ناجحة زماناً ومكاناً وحضوراً.
فعدا عن مسمى البينالي الذي عبّر عن حلم الفنانين بتتويج الفن «حلماً للأرض» الطيبة والمعطاءة، وعدا عن الورش الجانبية التي انطلقت في محترف جمع التشكيليين، وهم يخطون ويرسمون بريشاتهم وألوانهم على وجوه لوحاتهم، مع العازفين في الأوركسترا الإماراتية السمفونية للناشئة وأوركسترا الشباب الأوروبية الذين يلاعبون أوتار أدواتهم الموسيقية، ويترنمون بمعزوفاتهم، وعدا عن الجمع بين الفنانين المدعوين من خارج الدولة والفنانين المقيمين فيها من إماراتيين وعرب وأجانب من مختلف المدارس، وعدا عن اختيار إقامة البينالي في مدينة العين بهدوئها الخلاّب وطبيعتها التأملية، نجحت الفعالية بتنفيذ افتتاح أنيق في الهواء الطلق خارج حدود القاعات، يجمع بين كل لغات الفن والطبيعة، ويتحدث بلغة واحدة، كما عبر عن ذلك الشيخ نهيان بن مبارك وزير الثقافة وتنمية المعرفة في كلمته للحضور، وهي لغة الفن السامية والمتسامية القادرة على جمع كل القلوب والفنون بإبداع لا منافس له.
وتجلت في الفعالية كل تفاصيل الهوية الإماراتية، بدءاً من عمق التراث بفن شعبي، أطربت فيه الفرقة الإماراتية الشعبية أجواء المكان بألحان وإيقاعات أصيلة، وانتهاء بهوية إماراتية معاصرة، تشكلت بحضور متمازج من أكثر من 32 جنسية، وثقافات عدة برزت فيها ومنها ألوان العالم، في مختلف أنواع الفنون بين عروض الأزياء والرسومات والصور من عدة مدارس ولوحات لفن الخط، وموسيقى عربية وأخرى أجنبية، فأبدع البينالي بتطريز مساء العين بفن راق يتشكل بأكثر من قالب ويتحدث بلغة واحدة.
ولا شك بأن المتعة التي تجلبها الفعاليات الناجحة، لا تتوقف على أيام إقامتها ولحظات المشاركة فيها، بل تمتد إلى ما تخزنه عقول المشاركين والمبدعين من تفاصيل، تنطبع في ذاكراتهم، فيصبح حلمهم بالعودة مرة أخرى، لاستعادتها من جديد.