في الرواية التي حملت عنوان «صورة دوريان جراي»، تتجلى واحدة من أكثر العلاقات تجذراً في مختلف أشكال الفنون الإبداعية، وهي علاقة المبدع مع الوجه البشري، وتوظيفه له في سياقات متعددة لا يمكن حصرها، تتجاوز التعابير المألوفة إلى مفاهيم الوجود، والحقيقة.
تشير الرواية الوحيدة لوايلد إلى مفهوم الوجه في الفعل الإبداعي الكوني، فليس هو الوحيد الذي اشتغل على الوجه ودلالاته، فمن حكاية الأميرة النائمة لمؤلفها الكاتب الفرنسي شارل بيرو، التي تظهر فيها شخصية الساحرة الشريرة التي لا تتوقف عن سؤال مرآتها عن جمالها، إلى المرحلة التي انشغل فيها الهولندي فان خوخ برسم وجهه، وصولاً إلى مارلين مونرو التي رسمها أندي وارهول.
لم يتوقف الاشتغال على الوجه في الفن والأدب، فالعالم ما زال حتى اليوم يبحث في سر وجه الموناليزا، ويطرح تساؤلات كثيرة على وجوه منحوتات مايكل أنجلو، وينظر إلى الجلال الذي يشع في وجه تولستوي وهو يتصدر أغلفة مؤلفاته.
ليس ذلك وحسب، فالوجه ظل يأخذ سيرة تحولاته حتى بات هوية إبداعية لا نعرف فيها المبدعين سوى بصور وجوههم المحددة، فلا نستعيد روايات نجيب محفوظ إلا ومرت أمامنا صورة وجهه بنظارته السميكة السوداء وهكذا أكثر من وجه شاعر وأديب.
إنها بلا شك طاقة الوجه، وقدرة الإبداع على توظيفها، فالوجه خاض تجارب كثيرة داخل الأدب، والفن، وهو تحول إلى دلالات كثيرة، وجسد شخصيات عدة، بعضها رمز للجمال، وبعضها الآخر حمل دلالات مشرقة في التاريخ العالمي والإنساني.
وكذلك صار الوجه مفتاحاً لاختبارات الشخصية، ومعرفة كوامن النفس، كما فعل فرويد، ولاكان، وموريس، وبينيه، وغيرهم من علماء النفس، فالوجه ظل مؤشراً لمختلف تجاربهم التي خاضوها، لاكان مثلاً، أجرى أشهر تجاربه المعروفة ب «طور المرآة»، وهي تلك اللحظة التي يتماهى فيها الطفل للمرة الأولى مع صورته في المرآة.
إنه بلا شك الوجه، وإنه الإبداع وقدراته اللامتناهية.
محمد أبو عرب
Abu.arab89@yahoo.com