Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18080

جراتسيا ديليدا..أبطال يعانون دائماً تأنيب الضمير

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

لاقت أعمال الكاتبة الإيطالية «جراتسيا ديليدا» الفائزة بجائزة نوبل عام 1926 ردود فعل متباينة من النقاد، بعدما استمرت في اتباع نهج المدرسة الواقعية الإيطالية، في وقت كان يواجه فيه هذا التيار نوعاً من الأفول في المشهد الأدبي ، لكنها استطاعت أن تضخ نوعاً من الدماء المتجددة ، المفعمة بالمشاعر الإنسانية والمثاليات العليا، وتميزت بقدرة على صياغة المشاهد الحياتية للجزيرة، من خلال نظرة متعمقة ذات بعد إنساني، وهو ما كان أحد أسباب منحها جائزة نوبل للآداب.
جراتسيا ديليدا، كما يقول شريف رضوان في مقدمة ترجمته لمجموعتها القصصية «قوى خفية» الصادرة عن دار بدائل للنشر والتوزيع «واحدة من أكثر الشخصيات الأدبية شهرة في إيطاليا في أوائل القرن العشرين، وإحدى كبريات الكاتبات اللائي أنجبتهن جزيرة سردينيا، وهذه الجزيرة الإيطالية عانت فيها المرأة التقاليد المجحفة في حقها. فكل شيء مغلق، والناس يؤمنون بالسحر والأساطير ما جعلهم مادة خصبة، استمدت منها الكاتبة معظم أعمالها».
وعلى الرغم من ذلك فإن الجزيرة عاشت على أرضها حضارات عدة، من اليونان إلى العرب إلى الرومان، وفوق هذه الأرض تولدت أهم مدارس الشعر الإيطالي في القرن الثامن عشر، وهناك فارق، كما يوضح الكتاب، بين ثقافة سردينيا وثقافة صقلية، فالثانية أنتجت أدباً مكتوباً، أما الأولى فأدبها شفاهي، ولذا فإن جراتسيا ديليدا غيرت من شكل الأدب هناك، إذ ثبت وجودها انتهاء عصر الأدب الشفاهي تقريباً وبداية الآداب المدونة.
ومنذ طفولتها أظهرت جراتسيا ميولاً كبيرة لقراءة الروايات المعاصرة التي ورثتها عن عمها الكاهن، وكانت شرهة لمعرفة حكايات الحياة المحلية، التي كانت تستقيها شفهياً من السكان، وكانت مغرمة بالكتابة، حتى أنها ظلت تكتب حتى آخر لحظة في حياتها، بصفة خاصة عن أحلامها ومثالياتها الرومانسية في العالم الرعوي والريفي الذي يحيط بها في جزيرة سردينيا، حيث تمردت الكاتبة على عادات وتقاليد مجتمعها، ودفعها طموحها للخروج من تلك الجزيرة بالزواج من موظف يقيم في روما.
ولدت جراتسيا عام 1871 لعائلة متوسطة الثراء، واستكملت بصعوبة دراسة المرحلة الابتدائية، ثم واصلت بعد ذلك تعميق معارفها من خلال دروس خاصة مع مدرس كان يقيم مع أحد أقاربها، وحين استقرت في روما عاشت في هدوء وعزلة مع زوجها واثنين من أبنائها، وكرست حياتها للنشاط الأدبي، وأثارت اهتمام القراء والنقاد، ففي روما تحرر فكرها وإبداعها، وحاولت تعويض ما فاتها في حياتها السابقة.
نشرت جراتسيا أولى رواياتها عام 1988 وتحولت روايتها «رماد» إلى فيلم عام 1916، وهي تركز في أعمالها على الصراع بين الخير والشر، وعدم قدرة البشر على تجنب ارتكاب المحرمات وسقوطهم في دوامة تأنيب الضمير، ثم محاولتهم التوبة والعودة إلى المسار الصحيح، كل ذلك يتجسد داخل شخصيات تتحرك في أجواء قلقة.. أجواء نفسية داخلية.
أما المحيط الخارجي المتمثل في سردينيا، فهو غارق في التقاليد العتيقة والقيم الأسرية والدينية والمناظر الطبيعية التي تتداخل بشكل رمزي مع وحدة الكاتبة للحالة النفسية لأبطالها، وفي هذه المجموعة القصصية التي نشرتها دار بدائل، قام المترجم شريف رضوان باختيار القصص من بين مجموعتين قصصيتين هما «ملكة الظلمات» و«شجرة الأرز» وتتكرر في هذه القصص تيمات ثابتة تتمثل في عدة عناصر، منها الضعف الإنساني وعدم قدرة البشر على مقاومة غرائزهم أو تجنب الخطيئة، على الرغم من إدراكهم أنهم يرتكبونها.
تعمل جراتسيا على ذلك الصراع ما بين مقاومة الشر والرغبة في القيام به، صراع ينعكس على تصرفات الشخصيات نفسها، ومع نهاية القصة تحاول الكاتبة أن تجد لأبطالها مخرجاً ينتصرون من خلاله على الجانب الشرير لديهم، وهناك عنصر آخر يلاحظ خلال قراءة تلك المجموعة القصصية هو النظرة التشاؤمية القائمة على قناعة أن الحياة يجب أن نعيشها كما هي، ويجب أن يوائم الإنسان نفسه على قدره، إذ إنه من غير المجدي التمرد عليه، إضافة إلى ثنائية الخير والشر التي تسيطر على كل شيء.
هذا الصراع يتسبب في ألم الإنسان، وهو القانون الذي يسيطر على إنسانية الكاتبة، الألم الأبدي الذي يجب أن يصاحب الإنسان، ألم من دون مهرب، ونجد في داخل كل شخصية ترسمها الكاتبة الصراع مع الوازع الديني في مواجهة الألم والظلم وقوى الشر والحزن المتولد من الشعور بالاقتراب من النهاية.
أما عن اللغة التي تستخدمها ديليدا، كما يقول شريف رضوان، فهي مزيج ما بين اللغة الإيطالية الرسمية التي تعلمتها في روما ولهجتها الأصلية التي تربت عليها في جزيرة سردينيا، وحاولت أن تستعين بها من وقت لآخر في كتاباتها.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18080

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>