Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

رمزية ابن عربي

$
0
0
علاء الدين محمود

يأتي معرض أبوظبي للكتاب في دورته الحالية كحدث ثقافي لينسجم مع اتجاه الإمارات نحو الانفتاح واحترام ثقافة الآخر وتحرير العقل، ورفض التطرف والعنف، وربما يبدو ذلك جلياً في اتخاذ المعرض في دورته هذه للفيلسوف محيي الدين بن عربي شخصية محورية، فابن عربي كما هو معلوم يعتبر نموذجاً للمثقفين والمفكرين أصحاب الرؤية الإنسانية المنفتحة في تاريخ الثقافة والفلسفة العربية، والاحتفاء بابن عربي لا شك أنه احتفاء بحرية التفكير وبالمثقف، وبرفض الجمود وإعلان تحرير العقل من ثقل قيود الأفكار الظلامية التي كبّلت المنطقة كثيراً.
ولعل من سديد القول أن الاحتفاء بابن عربي، يعني الانفتاح مرة أخرى نحو التراث العربي والإسلامي، والذهاب في اتجاه النظر إليه من زوايا جديدة، ورؤى أسهم في تكوينها حتمية التطور والدخول في أزمنة الحداثة عبر مواءمة التراث مع التطور، وذلك ربما يتطلب فحصاً كبيراً لمعظم هذا التراث، فعملية النهضة والتحديث تطلب ذلك الموقف تجاه التراث، وربما ذلك ما عناه معرض أبوظبي باتخاذه ابن عربي شخصية محورية، أي يتم تناول التراث نقدياً وتحليلياً عبر الندوات والنقاشات والفعاليات المصاحبة للمعرض.
وكذلك فإن الاحتفاء بفيلسوف في حجم ابن عربي، يعني عملياً رد الاعتبار للكثير من الفلاسفة الذي كان لهم إسهام كبير في الفلسفة والتراث العربي والإسلامي، مثل ابن رشد وغيرهم من شخصيات أهملت عمداً بفعل أيديولوجيا عمياء صماء، لا تعترف بالآخر ولا إسهامه ولا أثره في المعرفة ولا في التاريخ العربي، فالكثير من الفلاسفة العرب والمسلمين الكبار، وجدوا عنتاً كبيراً في حياتهم الفكرية والفلسفية، بفعل المضايقات التي مورست ضدهم، وتحريض المتطرفين عليهم، فأحرقت كتبهم ومؤلفاتهم وتناوشتهم العامة، فذهبوا وتواروا عن الحياة معتزلين، وبعضهم ساقته الحسرة إلى الموت، ولكن بقي أثرهم باذخاً، يحدّث عنهم وعن أفكارهم وفلسفتهم.
إن هذا الاحتفاء بابن عربي رد مباشر وعملي على ما يدور في عالمنا العربي والإسلامي من انتشار للأفكار المتطرفة والرافضة للآخر وثقافته، مما خلق تشظياً كبيراً في كثير من مجتمعاتنا، وأنتج حروباً وقودها الجهل وغياب المعرفة، فمارست الجماعات المتطرفة تزييفاً للوعي، فكان من الضروري الانفتاح على أفكار الفلاسفة الذين أسسوا لفكر معتدل يقبل الآخر ويستضيء بالعلم الثقافة والمعرفة، فالكثير من الأمم تطورت وتقدمت، لأنها جعلت من كلمات فلاسفتها ومقولاتهم والمفاهيم التي أنتجوها خريطة طريق، فكان لتلك الأفكار الدور الكبير في النهضة والتطور والحداثة.

alaamhud33@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>