في تاريخ «البوكر العربية» أربع روايات متميزة هي «واحة الغروب» لبهاء طاهر، و«عزازيل» ليوسف زيدان، و«ترمي بشرر» لعبده خال، و«دروز بلغراد» لربيع جابر، ويمكن أن تضاف إليها رواية «موتٌ صغير» لمحمد حسن علوان، فقد استطاع هذا الكاتب المثابر أن يتغلب على مزلقين كبيرين يحفّان بالكتابة الروائية، ليس في الأدب العربي وحده، بل في الأدب العالمي، وهما عدم وضوح الرؤية، وتشتت المسار السردي، وهو نفسه عانى عدم وضوح الرؤية في روايته السابقة «القندس»، لكنه استطاع في «موتٌ صغير» أن يتغلب على ذلك، ويثبت حضوره ككاتب يطور أدواته باستمرار.
تأخذ «موتٌ صغير» قارئها بسلاسة سردية من البداية إلى النهاية، منسربة مع حياة بطلها «الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي» كما تصورها الكاتب، وبأسلوب أصيل يرتقي إلى شاعرية اللغة الصوفية، من دون أن يوغل في المجاز الصوفي، أو يفقد وظيفته السردية، هكذا تتحرك أحداث الرواية من ميلاد «ابن عربي في إشبيلية، إلى موته بعد ثمانين عاماً في دمشق»، لتتجول في تضاعيف تلك الحياة الطويلة المليئة بالأحداث التاريخية التي اكتنفتها، وبالإنجازات العلمية لصاحبها، والمطبوعة بطابع الحِل والترحال الذي لم يتوقف إلّا بموته، ويفلح علوان في المواشجة بين أحداث الحياة العامة وأحداث حياة بطله بسهولة، وتدل التفاصيل التي ترد خلال الرواية في وصف اللباس والأكل، وبعض العادات في المشرق والمغرب على الجهد الكبير الذي بذله علوان من أجل الإحاطة بالعصر، وتقديم رؤية واضحة عنه، لإعطاء السرد صبغة واقعية.
تقوم الرواية على بحث ابن عربي عن أربعة صالحين، سوف يثبّت بهم إيمانه، والذين أخبرته عنهم قابلته ومربيته الصالحة فاطمة، حين كان لا يزال فتى يافعاً، وستكون رحلة حياته بحثاً مضنياً عنهم، يجوب فيه الأندلس والمغرب والحجاز والشام والعراق وتركيا، وعندما يعثر على آخرهم في ملطية، ويعطيه سره يقرر أن يسافر إلى دمشق ليقيم بها، وهناك تنتهي حياته، ورغم هذه السردية المتواصلة السلسة إلّا أن الرواية عانت كثيراً التفاصيل التي شغلت عشرات الصفحات، وكان يمكن الاستغناء عنها من دون أن يتأثر المتن، كما أن القارئ للرواية يشعر بتركيز شديد على تفاصيل الحياة اليومية العادية لابن عربي، وإغفال الصراع الذي دار حول آرائه وكتبه، والكاتب وإن نجح في تقديم ابن عربي من دون هالة صوفية كبيرة، إلّا أنه نسي، ابن عربي «الإشكال»، وأظنه تناساه، فجاءت روايته خالية من حرارة الصراع الذي يصنع الدهشة.
محمد ولد محمد سالم