نظّم اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات - فرع دبي- مساء أمس الأول في مقره في الطوار، أمسية شعرية استضافت الشاعر نزار النداوي، وقدّمتها الشاعرة العراقية كريمة السعدي، التي قالت إن نزار النداوي شاعر ذو تجربة طويلة، وقد ساعدته غربته الطويلة التي طاف بها عدة بلدان أوروبية وعربية على تعميق تجربته بالانفتاح على المشترك الإنساني، وهو إلى جانب ذلك كاتب صحفي ومخرج لأفلام وثائقية، صدرت له مجموعتان شعريتان هما «من أين لنارك هذا الثلج»، و«ممالك مسروقة الوقت»، وحضرت الأمسية الهنوف محمد مسؤولة فرع الاتحاد.
قرأ النداوي عدة قصائد من شعر التفعيلة، منها «الواحدة، ما انتصف الليل»، «ممالك مسروقة الوقت»، «انكسار المسافة»، «جبة واحدة لا تكفي»، «إذا النخلة خرجت»، «قبل انطفاء الذاكرة»، وقد بدا في قراءته متمكناً من لغته الشعرية، قادراً على تصريفها في المعاني التي يريدها، حاذقاً بطرائق التنقل بين مختلف الأساليب، وغلبت على معانيه ومشاعره مسحة من الشجن، تغذيها صور الحياة اليومية في العراق المكلوم، الذي يستعرضه، فلا يبدو له سوى خريطة من الدم والتشرد، ويستعيد في صورته ذكرى وطن لعبت به أهواء الفتن ومزقته أيدي العابثين، وحوّلته إلى سراب جفت فيه آخر قطرة حب، يقول من قصيدة «قبل انطفاء الذاكرة»:
نشيج من الشوق في داخلي/ يشد خطاي إلى حيث أهرقت آخر قطرة حب/ وعدت وما عاد إلا السراب معي
ومزنة حزن خريفية/ أمطرت جدب دربي من أدمعي/ وبقيا حنين/ لمن؟/ لست أدري/ نشيج من الشوق يطرق أبوابها الموصدات وشيء يسافر بي/ ويعود على أمل كاذب مدّع. هذا الشجن الوطني الساكن في روح الشاعر خالط حبه، فحوّله إلى حزن، فأصبح يستدر الفرح من حبه، فلا يواتيه، ويعجز عن الفرح حتى في اللحظة التي تملأ عليه حبيبته جوارحه بحضورها الباذخ، وتتلألأ فيها أمنياته الجميلة، تداهمه أوجاع الوطن، فيخرج من لحظته مثقلاً بجراحه، وتندلق آلامه التي لا يراها سوى نهر من الخطايا اقترفته الذات ضد الذات، الأخ ضد أخيه، والأهل ضد الأهل، فلا يبقى معه سوى حلم لن يتحقق، وخريطة لمدن حميمة إلى قلبه، وقد رسمتها عينه للمرة الأخيرة على جيد حبيبته لعلها تبقى هناك موعد لقاء يحلم أن يتحقق يوماً ما، يقول النداوي من قصيدة «الواحدة، ما انتصف الليل»:
وما بيننا العطر/ يغري خيالاتنا بالنوايا/ رذاذا سقطتُ على خدك المريمي/ باختلاجات أول شوق العمر/ وانسكب العطر سردا/ أسميك سيدة الأمنيات الجميلة/ أمرق من تحتها مثقلا/ بالتفاصيل/ والرغبات/ وأخرج معترفا/ جاء يبحث عن تهمة/ لو تكونينها/ لأزف إليك خطاياي نهرا/ وأرسم تحت جدائلك/ السود/ خريطة لبلاد/ مسافاتها مدن غافيات/ على عتبة الحلم.
ويقول النداوي أيضاً، من قصيدة «حناء عشتار».
فما فضحتني سوى لغتي/ والنساء التي زغردت بفمي/ والأراجيح إذ هدهدتني/ وأعترف الآن
إني تحينت لحظتها/ حين كان التراب/ يراود رائحة الماء عن نفسها/ كيف طافت بنا نزهة أغوت اللحظات/ بألف متى، يقلب الصمت فنجانه/ وأشم مضارب قومي / وتلك البيادر كم راكضتني سنابلها/ فالسلام على أسمر القمح.
الشارقة:محمد ولد محمد سالم