Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18131

برشت.. المناضل ضد البربرية وتجار الحروب

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

إذا أردنا وصف برتولد برشت الشاعر والمسرحي الألماني (10 فبراير/‏‏شباط 1898 14 أغسطس/‏‏آب 1956) في بضع كلمات، فإنه الشاعر وكاتب المسرحية والأوبرا والفيلم السينمائي والقاص والروائي، والمخرج والمنظر للمسرح الملحمي، والمناضل الاشتراكي ضد البربرية وتجار الحروب، وفي سبيل العقل والحرية والسلام والأخوة البشرية وصنع عالم جديد يتوقف فيه الاستغلال والاضطهاد والفقر والجوع والظلم والاغتراب.
أول من قدم برشت إلى العربية هو الدكتور عبد الغفار مكاوي بترجمة إحدى مسرحياته التعليمية وهي «الاستثناء والقاعدة» عن الفرنسية في سنة 1956، كما قدم عدداً كبيراً من قصائده، وكان آخرها ما ترجمه ونشره تحت عنوان «قصائد من برشت.. هذا هو كل شيء».
في تقديمه لتلك القصائد يقول مكاوي «عندما فرغت في منتصف الستينات من اختيار هذه المجموعة وحتى صدورها بعد ذلك بسنتين، لم يكن تحت يدي في ذلك الوقت سوى مجموعة صغيرة منتخبة من قصائد برشت وأغانيه، بجانب بعض مسرحياته في طبعتها القديمة تحت عنوان «المحاولات» فاخترت منها حوالي ثمانين قصيدة وأغنية مما وجدته ملائماً لذوق القارئ العربي، وما أملاه على ذوقي وطبعي وميلي إلى الحكايات الشعبية والأغاني الجماعية والأشعار المقتبسة من الحضارات العريقة كالصين ومصر القديمة، والقصائد التي تنزف بدماء الإنسان العادي ومواجعه، وتكشف عن بشاعة الحروب وفظاعة القتلة والسفاحين الذين يدبرونها ويتاجرون بها».
عاش برشت حياة صبي برجوازي عادي وتزعم «شلة» الأصدقاء الفوضويين الذين دأبوا على إزعاج المواطنين في الشوارع بصخبهم وغنائهم، وكانت مقول التغيير تسيطر على حياته آنذاك، بحيث يمكن أن نجعل هذه العبارة، على حد تعبير مكاوي، شعاراً له «حذار أن تبقى حيثما كنت وكيفما كنت» ولم يكن يكتفي بالصراخ الأجوف احتجاجاً على الواقع الفاسد، وظهرت كراهيته الشديدة للحرب في القصيدة التي كتبها سنة 1918 وهي «خرافة الجندي الميت» التي ضمنت له في العشرينات مكاناً مرموقاً في القائمة السوداء التي أعدها النازيون للكتاب والشعراء الذين اتهموهم بالخيانة والانحلال وأحرقوا كتبهم، ويقال إن تلك القصيدة كانت وراء تجريد النازيين له من الجنسية، بسبب سخريته فيها من العسكرية الألمانية.
غير برشت مكان إقامته وأخذ يهيئ نفسه للانتقال من ميونيخ التي عاش وعمل فيها حتى سنة 1924 إلى برلين التي سيعقد فيها أواصر صداقات عديدة، ويقدم بعض أعماله الدرامية للعرض على مسارحها، وتأتي سنة 1926 بأهم تحول في حياته، وإن كان هذا التحول قد جاء نتيجة طبيعية لتصوره للواقع وتغلغله في حياة الطبقة الدنيا ومتاعبها ومآسيها اليومية، بحيث أصبح إنتاجه في هذه المرحلة بالذات حتى سنة 1931، وفيما بعدها مرآة لعصره وتعبيراً عن تفاعله مع القضايا الواقعية والمشكلات الملحة بعد أن بقي بصورة أو بأخرى مرتبطاً بحياته الشخصية.
قيل عنه إنه لم يكن يكف في هذه الفترة عن الاختلاط بالعمال، وأنه كان يتعمد أن يظهر بينهم بملابس عمالية فقيرة مبقعة وملطخة بالشحم والزيت، بل يزعم صديقه الحميم إرنست بلوخ أنه ابتكر آلة فضية معقدة لتلويث أظافره حتى يثبت انتماءه للعمال، وانشقاقه عن طبقته البرجوازية، والمعروف أنه لم ينضم إلى أي حزب من الأحزاب التقدمية الكثيرة في العشرينات، ولم يثبت أنه شارك بأي نشاط عملي في التنظيمات العمالية أو في الحياة السياسية والاقتصادية المضطربة قبل انهيار حكومة فيمار بعد سنة 1930 .
عندما استولى النازيون على السلطة اتجه إلى الدانمارك، وتحول إنتاجه في الغربة التي استمرت قرابة الخمسة عشر عاماً، تحولاً تاماً إلى مكافحة الفاشية وجند لذلك كل موضوعاته وإمكاناته اللغوية والشعرية، وأمام هذا الزحف النازي اضطر برشت إلى الهرب إلى السويد ثم فنلندا (1940) حيث أقام فترة قصيرة واستخرج جواز سفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي سافر إليها عن طريق الاتحاد السوفييتي.
كانت الحرب قد انتهت وبدأت شقة الخلافات في الاتساع بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، ما حمل الأمريكيين على الخوف من كل ما هو أحمر، واستدعي برشت أمام لجنة التفتيش الشهيرة (المكارثية) وأعد مرافعة أكد فيها أنه لم يشارك أبداً في أي نشاط حزبي وأنه كتب ما كتبه من مسرح وشعر ضد هتلر وعصابة القتلة من حوله، بدافع أدبي خالص، انطلاقاً من ضميره الحر كشاعر وكاتب حر، وبدأ في اليوم التالي مباشرة الاستعداد للرجوع إلى بلاده هرباً من جحيم المنفى.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18131

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>