وأول ما يقال عن هذه التجربة جماهيريتها، التي لا تدانيها في تجربة الشعر المعاصر سوى جماهيرية محمود درويش، ومناسبة هذا الكلام، هو تلك الندوات المتخصصة، التي ما تزال تعقد لدراسة ظاهرة نزار قباني الشعرية.
كان نزار قباني بحق اسماً مدوياً في فضاء القصيدة، قصيدة الحب والمرأة والوطن، وهو الشاعر الذي أطلق عليه النقاد والشعراء كذلك مسميات كثيرة، تطوف في مجملها على دلالات ومعاني ووهج قصيدته، فتنوعت هذه المسميات بين: (مدرسة شعرية)، و(حالة اجتماعية وظاهرة ثقافية)، و(رئيس جمهورية الشعر)، و(أحد آباء القصيدة اليومية)، و(شاعر الياسمين)، و(شاعر دمشق الأزلي) وغيرها الكثير.
وعن دمشق، بلد الياسمين، فهو الشاعر الذي لا ينازعه أحد في ذكرها، وهي المدينة التي ولد فيها، وتغزل ببواكير طفولته في حدائقها وحواريها، ومن ذلك قصيدته، التي بعنوان «عاشق دمشقي» ويقول فيها:
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهرِ الهدبا
فيا دمشق... لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت... فاستلقي كأغنيةٍ
على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعاً.. ما من امرأةٍ
أحببت بعدك.. إلا خلتها كذبا.
دمشق هي معشوقة قباني، التي تذكرها حتى وهو على مشارف الموت، فأوصى أن يتم دفنه فيها، وقد سبق وقال عنها: «دمشق.. هي الرحم الذي علمني الشعر، علمني الإبداع، وعلمني أبجدية الياسمين».
في استدعاء نزار قباني، ثمة شعر شفيف، وثمة غضب، ورغبة في الانعتاق، وثمة أوطان عربية مشغوفة بالتحرر، وثمة عناق لكل أشكال الفنون.. هو شاعر متوثب مهموم بقضايا بلاده العربية، في كل رحلته الإبداعية، التي امتدت نحو أكثر من نصف قرن، وأثمرت نحو 35 ديواناً شعرياً بدءاً ب (قالت لي السمراء) في 1944.
في استعادة نزار قباني، هناك مدن موزعة على خريطة العالم، وكل مدينة لها نكهتها الخاصة، ثمة بيروت مدينته الثانية، وثمة روما وباريس وغيرها الكثير.
ثمة هوامش كثيرة على دفتر الحب والنكسة والدم العربي، ثمة زوجته بلقيس التي ماتت غدراً، ثمة حروب أرخت لنصر عربي كحرب تشرين، وثمة ساحات وقصائد واحتفاليات وأوراق منثورة، في استعادته أو استدعائه ها هو شعر غنائي هائل، ورسائل من تحت الماء وأخرى من نساء حائرات، وثمة عطر منساب على الشرفات وثمة دائماً قضية إنسانية متألقة تهتف بالحب والتحرر والسلام.
عثمان حسن
ohasan005@yahoo.com