Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18126

أسئلة الشعر

$
0
0
عثمان حسن
تتغير أسئلة الشعر تبعاً للزمن الذي يعيش فيه، ومنذ بدأ الإنسان كتابة هذا الجنس الأدبي الرفيع، وأسئلته لا تتوقف، وقد بلغت هذه الأسئلة ذروتها، في تلك المفاصل التي شهدت تحولاً في الذائقة الشعرية، تحول ترسخ خلال النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده.
من البدهي أن نقول في هذا المقام إن أسئلة الشعر في جانب كبير منها هي أسئلة شخصية تخص مبدع النص، لا سيما أن لعبة الشعر في الأساس هي لعبة تطال اللغة والخيال، وهي مرتبطة بالضرورة بفكرة أو قضية تستحق الدفاع عنها حتى الرمق الأخير.
كانت الساحة العربية تمتلئ بالعديد من التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، لكنها لم تفقد حنينها لذلك الوهج الشعري الغنائي، الذي يطوف على أبجديات الحكمة والزهو والفخر والغزل، لتجد نفسها بعد ذلك مفتوحة على تلك المساحة الغارقة في اكتشاف ذاتٍ عربية ارتهن مصيرها لظروف خارجة عن إرادتها، ظروف صارمة في بعدها الاجتماعي والسياسي والحضاري.
صارت أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري.
كانت صدمة الجديد، قد أخذت بتلابيب النص الشعري، ليفتح الرؤية على آفاق من الخيال الرافض للسكون، فكانت تجربتا قصيدة التفعيلة والنثر، من التجارب المهمة في إطار بحثهما عن أسئلة الراهن، ولم يكن مفاجئاً تماماً بالنسبة لنقاد كثيرين هذا التحول المفتوح على فضاءات أوسع، تعيد رسم خريطة الشعر في ضوء حساسية جديدة وذائقة تلح لفرض شروطها على الشاعر ذاته.
بدأ سؤال النص الشعري يتخلى تدريجياً عن مرجعيات ألفها زمنا طويلا، وهنا، برز وعي جديد سجل حضورا قويا للقصيدة العربية، متمثلا بتجربة شعراء الخمسينات وما بعدها ورموزها الكثر من أدونيس، والسياب، والبياتي، ودرويش، وأنسي الحاج وشوقي أبي شقرا وسميح القاسم وأمل دنقل وغيرهم الكثير.
اندفعت قصيدة النثر بدورها لتبحث عن مشروعيتها في الواقع الجديد، ومنذ ذلك الحين لم تكف عملية المساءلة هذه، لتستثير حفيظة شعراء كبار نادوا بضرورة العودة إلى الأصالة.
ولأن الشعر كان دائماً تواقاً إلى الكشف عن جوهر الإبداع والجمال حيثما حل الإنسان وارتحل، فقد استمر إلحاحه بالتدفق، عبر لعبة اللغة والخيال، ليؤكد من جديد على حيوية الفعل وحيوية الروح، والرغبة في تغيير الواقع المترهل.
استمرت أسئلة الشعر لصيقة بالحيرة البشرية؛ ذلك أن الشعر لحظة سرمدية عابرة للزمن، وجمرة متوهجة في صقيع مر ولاذع، لا يكل في البحث عن آدمية الإنسان.

ohasan005@yahoo.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18126

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>