Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

المفردة الشعرية والثبات

$
0
0

محمد ولد محمد سالم
هل تغيرت الخارطة الوجدانية في الشعر العربي منذ امرئ القيس إلى اليوم، وهل لا تزال المعاناة التي يجدها الشاعر من صد محبوبته وهجرها له، أو من غربته وبعده عن الديار، أو من فقده لعزيز أو فرحه بوجوده، هي نفسها التي وجدها الشاعر الجاهلي ومن جاؤوا بعده من قوافل الشعراء؟
قد يكون هذا السؤال غريباً، لأن الزمان تغير والأساليب الشعرية تغيرت، وابتعدت كثيراً عن ما كان عليه الحال في العصور الماضية، ما يعني أن التشابه أو المقارنة بين شعرنا اليوم وشعر الأقدمين غير واردة، لكن حدة الغرابة قد تخف إذا ما فهمنا أن المسألة هنا تتعلق بالوجدان وحده، والوجدان ثابت في كل البشر لم يتغير من لدن آدم إلى اليوم، فردة الفعل بالحزن أو الفرح أو اللامبالاة هي لدى كل البشر، والذي يختلف هو حجمها من القوة أو الضعف، تبعاً لحجم الفعل المسبب لها، فمن الطبيعي إذن التساؤل عن ما إذا كانت خريطة الوجدان متساوية لدى الشعراء في مختلف عصورهم.
الدافع إلى التساؤل الآنف الذكر، من جانب آخر، هو كون لغة الوجدان لم تتغير بشكل كبير منذ امرئ القيس وزهير والنابغة وأضرابهم، وأنها ما زالت مفهومة لقارئ الشعر اليوم، والذي تغير هو لغة الواقع في ذلك العصر، فالقارئ اليوم يصعب عليه فهم لغة المكان والبيئة وأشياء الحياة ومظاهرها في الشعر الجاهلي، ولغة الوصف التي تصف الخيل والإبل وحمر الوحش، وغير ذلك مما يتعلق بتلك البيئة التي تغيرت، ولم تعد موجودة، ولم تعد للعربي اليوم علاقة بها، لكن القارئ يفهم تعبيرات الشوق والحب والوجد والهيام والفقد والصدود والهجر والحزن والألم والأسى وحرارة الكبد والبغض والكره، والفرح والسعادة والراحة، وغيرها من العبارات التي تمثل في مجموعها خريطة لوجدان الشاعر القديم نجدها مبثوثة في ثنايا شعره، لتعبر عن تلك الحالات النفسية التي تعتريه حيال مؤثرات الحياة.
المفردة اللغوية عرضة للتغير الدائم، بسبب الاشتقاق والاستبدال والخطأ وإكراهات الاستعمال المختلفة، لكن ثبات المعجم الوجداني من الشعر الجاهلي إلى اليوم، يعطينا مؤشراً على إمكانية لنوع من الثبات مرتبط بمنشأ المفردة، فإذا كان هذا المنشأ ثابتاً، فإن المفردة تثبت، وتظل تتداول، وإذا كان المنشأ متغيراً، فإن المفردة تتغير أو تموت، ويمكن على هذا الأساس أن نتساءل عن مدى ثبات المفردات المعبرة عن العقل وتصرفاته، وكذلك عن المفردات المعبرة عن العمل الذي يقوم به الإنسان بشكل دائم والمرتبطة بالطبيعة الحيوية لجسده، كالحركة والسكون والنوم والمشي وغير ذلك، ويمكن من جانب آخر التساؤل عن أثر الشعر والأدب عامة في تخليد تلك المفردات واستمرارها إلى اليوم. إنها جوانب من البحث تلقي على عدة أمور لغوية، وعلى فاعلية الشعر في تخليد واستمرار اللغة.

dah_tah@yahoo.fr


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>