Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

المُثقفُ مُؤوِلاً

$
0
0
علاء الدين محمود

شكلت نهاية الثمانينات من القرن الماضي انهيار المشاريع الفكرية التي تمثلتها كثير من دول العالم، واعتبر ما حدث نهاية لليوتوبيا والأحلام البشرية في المدينة الفاضلة، وبدأ الحديث مرة أخرى عن دور المثقفين، فقد نعى كثير من النقاد والباحثين دور المثقف، ومنهم من رأى أن بعض المثقفين قد تخلوا عن دورهم النقدي، وتحولوا إلى مدافعين عن الفكرة الرسمية، بالتالي أسهموا في بؤس المشهد العالمي الذي تزعمه العسف، والاضطهاد السوفييتي، ومشروع الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي، الذي سعى هو الآخر، إلى صناعة نظام يحول العالم إلى سوق كبير.
وضع الكثير من المثقفين أحلامهم وآمالهم في فكرة «العالم السعيد» الذي تعود جذوره إلى عصر «الأنوار» الذي سعى إلى إقامة مجتمع السعادة الإنسانية، فقد دشن عصر «الأنوار» بالفعل، بداية لهذا التصور للحياة عندما دعا العقل لإطلاق كل إمكاناته من أجل خلق واقع سعيد. غير أن هذه الدعوة أنتجت مشاريع مختلفة ومتباينة، ليشهد نهاية القرن العشرين تحطم تلك الآمال على نحو توقعه كثير من الفلاسفة الذين سخروا من فكرة «التنوير».
لعب المثقفون خلال تلك الحقبة، دور المبشرين لأفكارهم، أو كما يرى الفيلسوف والمؤرخ، زيجماند باومان، أن مهمتهم كتابة خرائط الطريق التي تفضي إلى المجتمع المثالي، فتبدى أنهم غير قادرين على تصور هذا المشروع. وإلى جانب باومان فقد سكب كثيرون حبراً كثيفاً عن دور المثقفين، وربما نذكر في العالم العربي إدوارد سعيد، وعلي حرب، وصادق جلال العظم، وغيرهم، الذين أنتجوا الكثير من الأفكار حول المثقف تعود في جذورها إلى الاتفاق، أو الاختلاف مع أطروحة الفيلسوف الإيطالي غرامشي، وإن كانت تتفق جميعها على ضرورة البحث عن دور جديد للمثقف، خاصة في أعقاب الانهيار الكبير للمشاريع العربية الكبرى التي تأثرت بدورها بالسقوط الداوي للاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية.
وتبدو لافتة تلك الدعوة التي قدمها باومان، داعياً المثقف لأن يلعب دوراً تأويلياً، وينطلق باومان في ذلك من التنوع الكبير لأنماط الحياة، وفي سياق العيش ضمن عالم متعدد الثقافات، ما يتطلب ضرورة العيش مع الاختلاف، والقدرة على الحوار، والحوار بين الثقافات، وهذا بحسب باومان يتطلب مؤولين، يمنحون تلك الأفكار معاني جديدة، فالعالم بوحشته الحالية يحتاج إلى مثقفين قادرين على تعريفنا بالمخاطر غير المرئية، وتحذيرنا من التهديدات الخيالية ذات الأهداف السياسية، أو التجارية.
والملاحظ تأثر فكرة باومان بمرحلة ما بعد الحداثة التي نعت التنوير، ويبدو أن فكرته تعبر عن الواقع الذي تعيشه البشرية اليوم، وحاجتها إلى من يقودها نحو أفق، ومستقبل أفضل.

alaamhud33@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>