تظل شخصية الأديب والكاتب الفذ وليم شكسبير من الشخصيات العالمية الشهيرة التي يكتنفها الكثير من الغموض، خاصة مع عدم وجود وصف محدد لملامحه أو لصفاته الجسدية يكفي لتقديم تصور مرسوم تام وكامل عن كينونته وهيئته، إلا أنه يمكن تتبع أعمال الكثير من الفنانين التشكيليين والرسامين والجرافيكيين الذين اجتهدوا وحاولوا طوال العقود الماضية مقاربة ملامح الكاتب وتقديم العديد من التصورات عن شخصيته الغامضة تلك، ومع هذا فقد جاءت أعمالهم مصبوغة بالصبغة التعبيرية التي تحاول فقط ودون أي هدف آخر مقاربة الشخصية الحقيقية له ولكن دون أن تحاكيها بالكلية والتمام، فكان لكل فنان من هؤلاء الفنانين تصوره المغاير وتقنيته وأسلوبه المختلف حتى وإن اشترك الغالبية العظمى منهم في الاستناد إلى ملامح محددة وجدت في رسوم أولى وأقدم زمنياً.
ومن بين الأعمال التشكيلية الأولى التي تحاول مقاربة ملامح شكسبير وشخصيته جاءت مجموعة من الأعمال التشخيصية (البورتريهات)، ومن بينها بورتريه لفنان مجهول تم رسمه في أواخر حياة شكسبير وبالتحديد في العام 1610، وذلك قبل وفاته بست سنوات، ويعد هذا البورتريه من أقدم الصور المعروفة لوليم شكسبير على الإطلاق ويقع ضمن مجموعة كوبي، وهناك عمل مهم جداً للحفار الفلمنكي مارتن دروشاوت يُظهر شكسبير وهو في مرحلة عمرية متقدمة، وقد تصدر هذا العمل الجرافيكي كتاباً عن شكسبير كان قد حرره كل من جون هيمنكز وهنري كونديلز وصدر في العام 1623، وربما يحمل هذا العمل من الأهمية القدر الكبير، خاصة أن المعاصرين لشكسبير قد رأوا أنه أكثر شبهاً من الرسم الزيتي السابق والمرسوم قبل هذا العمل المحفور بعدة سنوات، فيما ظهر بورتريه ثالث يعرف باسم بورتريه شندوس وتم رسمه خلال الفترة الواقعة بين العامين 1600 و1610، وينسبه البعض إلى الرسام جون تايلور، وعلى الرغم من أن هذه البورتريهات الثلاثة تحمل ملامح شبيهة إلى حد كبير ببعضها بعضاً، فإنها في مجموعها تتسم بالجمود، وافتقارها للحيوية في الوقت ذاته.
أما البورتريهات واللوحات الفنية اللاحقة التي تصور شخصية وليم شكسبير فقد جاءت مستلهمة لملامحه تلك الموجودة في هذه الأعمال والبورتريهات الثلاثة السابق ذكرها مع التصرف أسلوبياً وتعبيرياً وتقنياً وفق رؤية الفنان وتصوراته الشخصية عن طبيعة هذا الشاعر والكاتب العالمي الأكثر شهرة وغموضاً.
وقد تناقلت وكالات الأنباء والصحف العالمية مؤخراً نجاح الفنان البريطاني جيف تريسترام في إبداعه لبورتريه نعته بأنه الأكثر شبهاً بشكسبير، خاصة أنه سعى لأن يبث في هذا البورتريه حياة ما وحيوية تجعله متقبلاً أكثر من الرسوم القديمة الجافة، وقد اهتم تريسترام في عمله كثيراً بأن يجعل شخصية شكسبير المرسومة وكأنما صنعت من دم ولحم شأنها شأن الشخصيات الحية التي يمكن اللقاء بها في الحياة اليومية، وقد اعتمد هو أيضاً لبلوغ مبلغه ذاك على الرسوم السابقة وكذلك على القناع الذي تم صنعه لوجه شكسبير عقب وفاته، وقام باختيار موديل قريب الشبه من بورتريهات شكسبير المعروفة، إضافة إلى إسهابه في دراسة أزياء تلك الفترة التاريخية التي عاش خلالها وليم شكسبير، كما أنه نجح في التواجد في نفس المكان الذي ولد به شكسبير مما أتاح له فرصة حقيقية لمعايشة الأجواء المكانية التي وجد بها الشاعر المتفرد، وكلها عوامل تجعل الفنان بصورة أو بأخرى على تماس وجداني وقناعة ذهنية بما يؤديه من عمل ينشد الحقيقة والتقاط الملامح والطابع الأكثر قرباً من شخصية هذا الأديب المحير، إلى حد أن البعض يختلق الأساطير عن وجوده من عدمه.
محمد مهدي حميدة