يصعب أحياناً على زوجة الأديب وصف علاقتها بزوجها، ولكن في مذكرات زوجة الروائي الروسي فيودور ديستويفسكي، آنا غريغور ريفنا ديستويفسكي التي كتبتها عام 1910 بعد تدهور صحتها وانزوائها وحيدة في بطرسبورغ، خلدت في تلك المذكرات تفاصيل شاعرية لارتباط نادر مع زوج لا يمكن تجاهلها وعلى الأخص تلك الرواية الأجمل والتي طلب فيها ديستويفسكي الزواج منها.
إنها أفضل رواية كتبتها على الإطلاق، هكذا عبر ديستوفيسكي عن شعوره لحظة موافقة آنا على الزواج منه وهو يعدها أفضل رواياته على الإطلاق لأنه قطف ثمرتها في نفس اللحظة.
وكانت آنا قد دخلت حياة ديستويفسكي عبر وظيفة تقتضي منها تسجيل رواياته التي سيمليها عليها بطريقة الاختزال ولم تكن تتخيل أن ذلك الأرمل الحزين الواقع تحت طائلة ديون والذي يفصلها عنه فارق عمري يزيد على الربع قرن سيصبح زوجها المحب والرجل الذي ستقاوم مرضها في آخر عمرها لتوثق حبها الشديد له.
وتسرد آنا في مذكراتها تفاصيل اليوم الذي روى لها فيه ديستويفسكي قصة حلم جميل رآه في تلك الليلة، عن جوهرة براقة كانت تشع بين مخطوطاته لكنها اختفت فجأة ولا يدري لماذا أو أين اختفت، وتابع كلامه وهو يسألها: هل تعتقدين أن هذا يعني أنني لن أعثر على السعادة يوماً وستضيع مني كما ضاعت هذه الجوهرة؟
كان رد آنا أنها لا تصدق الأحلام ولا تؤمن بتحققها، ما جعل ديستويفسكي الذي كان مبتهجاً في البداية يتجهم ويبدل الموضوع بسرعة قائلاً بأنه بصدد كتابة رواية وهو بحاجة إلى مساعدتها في تفسير مشاعر الفتيات التي يجهلها كي ينقلها إلى بطلة روايته. وأدركت آنا أثناء سرده الخطوط العامة للرواية أنه يروي قصة حياته وتاريخ طفولته المعذب وعلاقته بزوجته المتوفاة وكل المصائب التي مرت عليه خلال الأعوام الماضية ثم أكمل أنه يريد أن تنتهي الرواية نهاية سعيدة يستعيد فيها بطلها الحزين حياته بحب امرأة سينقذه من وحدته.
لم تكن آنا مدركة لحظتها أنه يعنيها وأن بطلة الرواية المزعومة كانت هي حتى سألها فجأة عن رأيها في إمكانية قبول فتاة شابة الزواج من أديب عجوز مريض مثقل بالديون فخرجت إجابة آنا الصادقة ومن دون تفكير لحظتها بأنه لو طلب منها الزواج فهي ستوافق وستحبه إلى آخر يوم في عمرها.
ويهتف ديستويفسكي لحظتها قائلاً «لقد عثرت على الجوهرة أخيراً» فتجيبه آنا بأنها تدعو الله أن لا تكون مجرد حجر. وهكذا أنهى ديستويفسكي روايته المختلقة ببداية سعيدة غيرته من عجوز مدين إلى واحد من أشهر الروائيين في العالم.
basema.younes@gmail.com