يقدّم كتاب «النظرية الثقافية والثقافة الشعبية» للمؤلف البريطاني جون ستوري الصادر عن مشروع «كلمة»، والذي قام بترجمته د. صالح خليل أبو إصبع، ود. فاروق منصور من الأردن، مسألة النظرية الثقافية بشكل شامل، حيث يطوف الكتاب على تعريفاتها والدراسات الأساسية للثقافة الشعبية، ويتناول معظم اتجاهاتها، لا سيما «المذهب الثقافي»، و«الماركسية التقليدية»، و«مدرسة فرانكفورت»، و«أطروحات ألتوسير»، وكذلك نظرية الهيمنة، والدراسات الثقافية والتحليل النفسي باتجاهاته الأساسية.
يتوسع الكتاب في تلك الاتجاهات للإحاطة بمفهوم النظرية الثقافية، والثقافة الشعبية، برغم تشعب الموضوع وتعدد اتجاهاته الفكرية وتناقضها كذلك.
يتناول الكاتب الأسس لاستيعاب كيفية نشأة الثقافة، مسلطاً الضوء على مختلف النماذج المستخدمة في تحليلها، والعلاقة بين النظرية الثقافية، والثقافة الشعبية بالتركيز على الآثار المنهجية والنظرية وتشعباتها في لحظات معينة في تاريخ دراسة الثقافة الشعبية، وتأثيرها الأيديولوجي.
يشير الكاتب إلى أن «الثقافة الشعبية» كثيراً ما يتم التعامل معها بتمييز سالب، وكأنها ليست من الثقافة، خاصة عندما يتم الحديث في تعريفات الثقافة عن الشعر والرواية والأدب بشكل عام، نجد أن جنساً آخر من الأدب يتم إبعاده مثل الموسيقى الشعبية والكثير من الأدب الشعبي. لذلك فإن ستوري يعمل على أن يكون مؤلفه بمثابة مقدمة للدراسة الأكاديمية للثقافة الشعبية لتعين الدارسين في رسم الخرائط الخاصة بهم في هذا الميدان، متكئاً على حصيلة معرفية وأكاديمية كبيرة، فهو أستاذ الدراسات الثقافية، ومدير مركز بحوث الدراسات الإعلامية والثقافية بجامعة سندرلاند في المملكة المتحدة. نشر العديد من الدراسات، من أحدثها «الثقافة والقوة في الدراسات الثقافية». عمل أستاذاً زائراً في جامعات ووهان، وفيينا، وهنان، وفيلادلفيا. ترجمت أعماله إلى خمس عشرة لغة، من بينها الصينية والألمانية واليابانية والكورية والفارسية والروسية والإسبانية والسويدية والتركية والعربية.
يقدم الفصل الأول في الكتاب تعريفاً لمفهوم الثقافة الشعبية ويرى فيه الكاتب مفهوماً مبهماً، وعديم الفائدة علمياً، ويحفل بمعانٍ مشوشة ومتناقضة، ويستند في ذلك إلى التعريف الدارج عن الثقافة الشعبية، حيث يتم تعريفها ضمن مقابل الفئات المفاهيمية الأخرى مثل: الثقافة الفولكلورية، والثقافة الجماهيرية، والسائدة، وثقافة الطبقة العاملة، مشيراً إلى صعوبة ضبط المصطلح، ليخلص إلى أن الثقافة الشعبية هي في النتيجة فئة مفاهيمية فارغة، يمكن ملؤها بطائفة متنوعة من الطرق المتناقضة غالباً تبعاً لسياق الاستعمال، ثم يغوص الكتاب في معنى الثقافة حتى يتم توضيح معنى الثقافة الشعبية، مقدماً العديد من التعريفات المستخدمة والتي طرحها مختصون كبار في الشأن على نحو ما فعل ريموند وليامز في تعريفه للثقافة، عندما أشار إلى أنها «عملية عامة للتطور الفكري والروحي والجمالي»، أو «الأعمال والممارسات الفكرية وبخاصة النشاط الفني».
يرى الكاتب أن تناول الأيديولوجيا وتعريفاتها مسألة في غاية الأهمية، ضمن سياق البحث في الثقافة الشعبية، فهي مفهوم حاسم في هذا الصدد، مستدعياً مقولة المفكر جرايم تيرنر الذي وجد أن الأيديولوجيا أكثر الفئات المفاهيمية أهمية في دراسة الثقافة، وللأيديولوجيا كذلك عدة معانٍ متنافسة، بل أحياناً يلتبس مع مفهوم الثقافة الشعبية إذ يتم التعامل معهما كشيء واحد.
يبحث الكتاب نقدياً في التعريف الذي ظل رائجاً عن الثقافة الشعبية، وهو الذي يعتبر أن الثقافة الشعبية ثقافة تجارية من إنتاج الجمهور، في حين أن الثقافة الرفيعة هي نتاج عمل فردي خلاق مبدع، وأن الأخيرة هي فقط التي تستحق الاستجابة الأخلاقية والجمالية، بينما الأولى تتطلب فحصاً، ويرى الكتاب أن المدافعين عن هذا الرأي، يرون أن هذا التقسيم ليس واضحاً فحسب بل محسوم وعابر للتاريخ، وثابت في كل الأوقات، ويرى المؤلف أن هناك الكثير من المشكلات الكامنة في هذا اليقين، ويضرب مثلاً بأعمال وليم شكسبير التي تقدم كمثال حي على الثقافة الرفيعة، في حين أن أعماله كانت حتى نهاية القرن التاسع عشر تعتبر إلى حد كبير جزءاً من المسرح الشعبي، وكذلك أعمال تشارلز ديكنز.
يحطم الكتاب الكثير من المفاهيم المترسخة والتي صارت بمثابة مسلمات، ويكتسب أهمية خاصة فيما يتعلق بالثقافة الشعبية، فهو حقيقة يعتبر خير معين للدارسين في هذا المجال، وللقراء بشكل عام.
الشارقة: علاء الدين محمود