في كتابه «رامبو وزمن القتلة» وصف هنري ميللر دهشته التي أصابته حينما قرأ أن رامبو قد سمح لأمه بقراءة «فصل في الجحيم». لقد أصابته الدهشة لأنه لم يكن يحلم البتة بأن يقرأ والداه شيئاً مما كتبه أو حتى أن يناقش معهما موضوع كتابته، ويصف هنري ميللر حالة الرعب التي أصابت والديه حين أخبرهما لأول مرة أنه اختار أن يصبح كاتباً وليس مهندساً أو طبيباً. لقد كانت ردة فعلهما المتفاجئة والمصدومة تبدو كمن علم للتو أن ولده سيغدو مجرماً وقضي على مستقبله تماماً. وذكر هنري ميللر كيف لمح في عينيهما ذلك التساؤل الأبوي المعتاد عن السبب الذي يجعل ولدهما يصبح كاتباً، أي أنه لا يفعل شيئاً حصيفاً، شيئاً يجعله مثل غيره ويساعده على تدبير معيشته والحياة بطريقة جيدة بدلاً من التشرد في عالم لا أمل فيه. ويحكي هنري ميللر في ما بعد عن تحول رغبته في أن يصبح كاتباً إلى مزحة بين أصدقاء والديه، فهم حين يستفسرون منهما عما يعمله ولدهما هنري تكون ردود أفعالهم على النحو التالي: «ماذا يعمل؟ آه يكتب..»، «كما لو أنهما يقولان بأنه مخبول يصنع فاصولياء من الطين طوال النهار».
وليس فقط هنري ميللر من عانى من خوف الأهل وحالة الرعب التي تصيبهم حين يعلمون رغبة الابن في أن يصبح أديباً، فمعظم الأدباء إلى اليوم غير مصنفين ضمن أصحاب المهن المتعارف عليها حتى إنهم غير معرفين بصفة «أديب» في خانة المهنة في جوازات السفر ويستعاض عنها بصفتهم العلمية في شهادة التخرج الأكاديمي أو الصفة الوظيفية.
ورغم أن الأدباء قد خدموا بمؤلفاتهم أكثر من مجال ومهنة وعلم وعمل وقدموا للعالم وللمستقبل بأعمالهم وإبداعاتهم المتخيلة أكثر من فكرة واختراع علمي حققت التقدم البشري الهائل، ولكن لا يزال الأديب إلى اليوم غير معترف به كصاحب مهنة ولا يزال بحاجة للبحث إضافة لذلك عن وظيفة تدر عليه دخلاً شهرياً يمكنه من الصرف على احتياجاته.
ويسمح عدم تصنيف الأدباء رغم أنهم أصحاب مهنة ومحترفون وخبراء بتصنيفهم ضمن المتعطلين عن العمل لأنهم لا يعملون في وظيفة ولا يملكون عملاً خاصاً يدر عليهم دخولاً ثابتة أو رواتب شهرية، رغم أن الأديب محترف بمخيلته وخبير بأفكاره وليس متعطلاً يقضي الوقت بصناعة الفاصولياء من الطين طوال النهار كما كان أصدقاء والدي هنري ميللر يعتقدون.
basema.younes@gmail.com