ماذا بقي من «البطل» هذه الشخصية الملهمة التي تقدم قيمة اجتماعية وأخلاقية وفكرية، تدور حولها فكرة النص الأدبي، وتقدم نموذجاً في الحياة الواقعية والمجتمع.
من يتابع الرواية الجديدة، يجد أشكالاً لا حصر لها من البطولة في هذه الأعمال، التي جاءت استجابة لكثير من التحولات الاجتماعية الطارئة والمستجدة في عالم اليوم، ما أضاف إليها ميزة، أخرجتها من إسار الرواية الواقعية في أربعينات إلى سبعينات القرن الفائت، التي اقتصر مفهوم «البطل» فيها على نموذج فريد، أو شخصية واحدة، وهو النموذج الذي حاكى -إلى حد ما- «دون كيخوته» لثربانتس، وغيرها من الروائع العالمية.
من المهم في هذه العجالة، التذكير بما طرحه الناقد الفرنسي، من أصل روسي جوليان جريماس، مؤسس السيميائيات البنيوية، الذي عني بمناقشة الأدوار المحفزة للبطل، أو الشخصیة بوصفها جزءاً لا يتجزأ من العمل الأدبي، «البطل» بالنسبة لجوليان مرتبط بعدة أحداث وعوامل وظروف مساعدة وشخصيات متحركة في العمل الروائي، تنفي عنه البطولة الفردية.
خلخل جريماس فردية البطل، من واقع كثير من الأعمال السردية التي قرأها، ومن يتتبع الرواية العربية الجديدة، يكتشف مجالاً ثرياً من الشخصيات والحكايات والعلاقات، التي تشكل كل منها فضاءات محتملة لتحقيق البطولة، وهو انفتاح أعاد النظر في المفهوم الواحد للبطولة كشخصية محورية في العمل الأدبي، كما ارتقى بالبطولة نحو مسارات عدة، ترافقت مع مسارات النقد الحديثة، على رأسها البنيوية التي اهتمت بالشكل الأدبي، ودعت إلى التخلص من مقولة «البطل» بوصفها ذات دلالة مقصورة على المعنى فقط، نحو احتمالات عدة تناقش مفاهيم قيمية وجمالية متنوعة، تحل محل الشخصية التقليدية التي تركز على البطل الواحد.
هذه النماذج الكثيرة للبطل رصدها الناقد د. فيصل دراج، في مسار زمني يتابع تطور الرواية العربية، وهو الذي يشير إليه بقوله «نقلت (البطولة) من الروائي - البطل إلى بشر عاديين، بطولتهم الوحيدة البقاء في الحياة».
وقد تجسدت هذه البطولة في صيغ عدة، كنموذج البطل المثقف، كما هو في شخصية «غالب» في أعمال غالب هلسا التي مزجت بين المتخيل الروائي والسيرة الذاتية، وقد تكون البطولة للغة كما في بعض أعمال ادوارد الخراط، وقد تكون البطولة حصراً بالإنسان بمفاهيم وأشكال عدة من الأدوار لأكثر من شخصية في الرواية، وربما تكون بطولة مسندة بالبنية السردية للعمل بشكل عام.
Ohasan005@yahoo.com