Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

زمن الروائي

$
0
0
محمدو لحبيب

من الشائع القول بأن للروائي مفهومه الخاص للزمن، وحين نتحدث عن زمن الروائي فنحن نعني شيئاً مختلفاً عن زمن الرواية ومشتبكاً معها في نفس الوقت.
يتكشف ذلك الاختلاف والتقاطع في نفس الوقت حين نحاول أن نعرف مباشرة: لم لا يستطيع الروائي أن يكتب عن الأحداث الآنية المعاصرة له، وهي في قمة تأثيرها على ملايين البشر الذين يرتبط معهم بعاطفة انتماء؟
قد ينجح الشاعر في الاستجابة لنبض الناس وتأثير الحدث بسرعة، فتراه يكتب فور وقوع اعتداء صهيوني على الشعب الفلسطيني مثلاً، قصيدة تعبر عن وجع العربي أينما كان، وتعري وتكشف زيف الدعاية الصهيونية الممجدة للقتل، تراه أيضاً قادراً بسهولة على التعاطي من منطلق رد الفعل النقدي مع أفعال الإرهابيين الذين يفسدون في الأرض العربية ولا يصلحون، لكننا لا نرى الروائي يتحرك بنفس الإيقاع السريع، ولا نكاد نلمس له رد فعل مباشر يليق بقدرته الإبداعية، فلم يحدث ذلك؟
في الواقع هنا يأتي زمن الروائي الذي يختلف عن الزمن العادي في مجرياته، انطلاقاً من رؤيته للحكاية التي قد لا تكون مطابقة للواقع، بقدر ما هي قراءة أخرى له، وإن استدعى الأمر السفر بعيداً في الزمن الماضي أو المستقبلي، لاستحضار الحاضر، ومن ثم تشريحه وتقديم صورة مؤثرة عنه.
ربما أقرب مثال يمكن أن نذكره استدلالاً على ذلك هو مثال غير عربي، لكنه يمثل كل ما قلناه آنفاً، فرواية «رؤى لوكريثيا» للإسباني خوسيه ماريا مرينو، هي رواية مكتوبة في تسعينات القرن الماضي، ومع ذلك فهي مكتوبة عن زمن مختلف هو القرن السادس عشر، وتغوّل محاكم التفتيش وانتشار الهرطقة والتسطيح، وذلك من خلال حبكة درامية معبرة ومثيرة تشد القارئ العربي من خلال ترجمتها التي أنجزها صالح علماني وصدرت سنة 2013، إلى مقارنة واعية بين ما ينتشر في الواقع العربي، وفي مناطق جغرافية محددة منه، من فكر التطرف المبني على فهم قاصر للدين، واستعمال ذلك الفهم من قبل جماعات بعينها لترهيب الناس، والتحكم في عقولهم وأفكارهم، وبين ذلك الزمن الإسباني الذي تتحدث عنه الرواية، وكيف انتشرت فيه محاكم التفتيش، التي دأبت على نشر الرعب في كل الأوساط الاجتماعية، ومصادرة الرأي الآخر في زمن تقلصت فيه إلى حد التلاشي المسافة الفاصلة بين الجنون والحكمة، وصار فيه التكفير والقتل فعلاً سهلاً جداً يكاد يشبه سهولة فعل الحياة نفسها، وبات يحكم على البريء لا من خلال أفعاله أو أقواله بل حتى من خلال رؤاه وأحلامه.
من هنا يمكن القول إن الزمن عند الروائي لا يجري كما يجري عند باقي الناس، ولا عند بقية المبدعين الآخرين، إنه زمن يجمع بين سيرورته العادية وبين زمن خياله كمبدع.

pechike@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>