نظم بيت الشعر في دائرة الثقافة في الشارقة مساء أمس الأول أمسية، ضمت الشاعرين أحمد محمد عبيد من الإمارات، ويونس ناصر من العراق، بمشاركة وتقديم الشاعر عبدالكريم يونس من سوريا، وبحضور محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وجمهور متنوع من الشعراء والإعلاميين ومحبي القصيدة.
وجاءت قصائد الشعراء التي ألقيت في فضاء الأمسية، متنوعة في مضامينها، فأنشدوا للحب والوطن والإنسان، وتميزت قصائدهم بعذوبة اللغة وجمال الصورة، واتساع أفق التخييل في سماوات الكلمة، وافتتح الشاعر أحمد محمد عبيد الأمسية بمجموعة من النصوص الجديدة، التي رافقها جمال الأداء وتفاعل معها الحضور، وفي قصيدته المعنونة ب «غائب» نثر الشاعر أحمد عبيد تساؤلات مضمخة بالحب، واللهفة والحنين المتشوف للذكريات الجميلة فقال:
أما تساءلتِ عن هذا الذي غابا
كيف الشرودُ على عينيه قد ذابا
كيف استفقتِ ولم تلقي قصائده
عند الصباح ولم تطرقْ لكِ البابا
هل انتبهتِ بأن الليل أرهقهُ
لمّا تلاشى مع الشِّعر الذي انسابا
وهل علمت هزيعاً قد همَى معهُ
إلى الغياب فلم يخبرْك أسبابا
ولم يعد فالعذاب المرّ حيّرهُ
على انتظاركِ أحقابًا وأحقابا
مضى مع الليل مفتونًا كعاشقةٍ
محرومةٍ عانقت في الحلْم أحبابا
ومن سفره الذاتي الذي أرهقته المسافة بين الروح والجسد والنور وعواصف العواطف قرأ أحمد عبيد من أحدث أشعاره:
الآنَ يبزغُ هذا النورُ في جسدي
أنا المسافرُ في روحي إلى الأبدِ
أمضي مع النورِ مفتوناً بزرقتِهِ
وفي الخلايا افتتانٌ غابَ في العددِ
أجوسُ في فتنةِ الأصلابِ تعصفُ بي
لترتوي في عروقي نشوةُ الغُدَدِ
وأرتقي كلما سالت على قدمي
جداولٌ ذاب فيها الشهدُ في رغَدي
بدوره افتتح الشاعر العراقي يونس ناصر قراءاته الشعرية بقصيدة طاف بها إمارات الجمال وعبر عن حبه لأهلها المشتملين على سجايا الكرام فقال:
الواقفون بعين الموت مسبَعةً
وإن تمادى حقودٌ أمطروا شُهُبا
الشاكمون الرّدى في عزّ موضعه
العابرون المنايا جحفلاً لجِبَا
المانحونَ بلا منٍّ ولا طلبٍ
الباذلونَ وإن نالوا به سَغبا
من التعفّف والإيثار فِطرتهم
كأنّ ضيفهمو باقٍ وهم غُربا
حتى دشاديشهم بيضاء ناصعة
كأنْ عليها نقاءُ الروح قد سُكبا
أما العقالُ فعِلُ الأرض حكمته
تزيّنُ العقل والأخلاق والأدبا
ثم ظهر الشاعر يونس بعد ذلك في قراءاته التالية مسكونا بوطنه العراق، متألما لجراحاته، ناقما على الحرب التي أنهكت الأرض وعذبت الإنسان، فكانت قصائده بكائية، على طريقة الشعر الذي يطهر الروح على الرغم من قسوة الحدث، لكن ذلك لم يمنعه من أن يبقي القدرة على الحب متأججة كطاقة نور في أعماقه، فقرأ عن «أول الحب» الذي لم يتخل عن «عراقيته فيه»، فأنشد قائلاً:
يا أول الحبِّ في روحي وأحلاكِ
وآخرَ النبض في قلبي وأغلاكِ
ويختم قصيدته تلك مهديا إياها إلى أم أولاده التي مثلت عنده أول الحب وآخره، والتي عادلت حضن العراق وتماهت معه فيقول:
وكل عامٍ بإذن الله يجمعنا
حضن العراق وأولادي.. وعيناكِ
وكانت خاتمة القراءات الشعرية في الأمسية للشاعر عبدالكريم يونس بقصيدة «فنون البطل» بدت فيها ثقة الشاعر حين يتجلى متمكنا من فنون الغزل وحين تبدو اللغة بين أصابعه رشيقة مرنة فقال:
أجيدُ التغنّي بروحِ الجمالِ
وكيف أُناغمُ سِحرَ المُقلْ
ولكنْ أصيرُ كطفلٍ لديكِ
يُلعثمُهُ في اللقاءِ الخجلْ
وأغدو غريراً بعِلمِ الكلامِ
وأنسى القوافي وسَبكَ الجُمَلْ
فما السِّرُّ أني إذا ما التقينا
يراودُني فيكِ بعضُ الوجلْ ؟
تُرى.. هل لأنَّ جميعَ الجمالِ
إليكِ انتهى ولديكِ اكتملْ ؟
أمِ الكلماتُ بهمسِكِ لطفاً
تشتِّتُ عقليَ حَدَّ الثَّمَلْ ؟
فلا تحسبي أنني لا أبالي
بهذا الجمالِ وهذي الحُلَلْ
وفي ختام الأمسية كرم محمد البريكي المشاركين في الأمسية.