أظهرت المعطيات الطبية الحديثة أن لدى كل منا نقطة غير حصينة في جسمه، مبرمجة منذ مولده، وتختلف هذه النقطة غير الحصينة من شخص إلى آخر، فقد تكون المخ أو البطن أو القلب، أو الكبد، وربما الجلد، لكن هذه النقطة غير الحصينة لا تؤدي إلى المرض، دون تدخل عامل مسبب، هو أشبه بعميل خائن يفتح آخر حاجز دفاعي للجسم، فيسمح بمرور أعدائه، وهذا العميل الخائن لا يعدو أن يكون في كثير من الحالات هو التوتر الشهير، الكفيل بالإخلال بنظامنا المناعي، متسببا في الإصابة بالأمراض التي تؤدي إلى إضعاف المناعة الذاتية أو السرطانات أو الأمراض الفيروسية المنتشرة والحادة.
يوضح ميشيل ديب في كتابه «مقاومة التوتر» أن التوتر الأولي المعروف أيضا باسم «تفاعل المقاومة» يتجلى حسيا من خلال إدراك تهديد يثير تفاعلات مسلسلة، في أثناء مرحلة الاستنفار، تنطلق الآليات الدفاعية للجسم عن طريق زيادة إفراز الكورتيزون والأدرينالين، في ما يمثل نوعا من «الخلاصة الفائقة» التي تحفز القلب ليضخ في كل أجزاء الجسم، والإطلاق المفرط لهذين النوعين من أنواع الهرمونات يؤدي إلى تسارع ضربات القلب وإيقاع التنفس، وشد العضلات، وارتفاع مستوى السكر في الدم، وتمدد حدقة العين، وتباطؤ عملية الهضم.
في أثناء مرحلة المقاومة- كما يشير المؤلف- تتم تفاعلات الجسم التي تظهر خلال المرحلة الأولية عن طريق ارتفاع ضغط الدم وارتفاع درجة الحرارة، إلى هنا وكل شيء يسير بشكل طبيعي تماما، غير أنه يمكننا مع قدر معين من التوتر مجابهة المواقف الصعبة، مثل تفادي سيارة تنطلق بأقصى سرعة على جانب أحد الشوارع أو مواجهة اختبار شفهي، وتكمن المشكلة في استمرار هذه العملية الطبيعية، فإذا لم يتوقف العدوان ويظل الجسم باستمرار في حالة استنفار، ويصبح النظام المناعي كأنه غير موجود فلا يعود بمقدوره تعويض الأضرار التي تسبب فيها ذلك الخوف.
أما مرحلة الإنهاك فتحدث إذا استمرت عوامل التوتر أو تكررت بوتيرة متسارعة، فإن جسمنا يتأهب بشكل متواصل لمجابهة حالات طوارئ لا تتجسد على أرض الواقع أبدا، عندئذ تقع النظم المناعية تحت ضغط عديم الجدوى للكورتيزون، وينتهي المطاف بها إلى استخدام الغدد فوق الكظرية، وإلى نشر سموم في الجسم، والنتيجة هي استنفاد مواردنا في قتال شرس. إن عوامل التوتر المتكررة هي في أكثر الأحيان مخاوف غير مبررة تشل قدرتنا على الحركة، مخاوف مصنوعة من كل الأجزاء المرتبطة بالماضي، أو بالمستقبل، وتحول بيننا أحيانا والاستغراق في النوم ليلا، بل قد تعوقنا عن مواصلة الحياة.
يتساءل ديب قائلا: ماذا لو أنك قمت بتشخيص حالة التوتر التي تعاني منها، ووضعت خطة من أجل الهجوم باستخدام كل الموارد التي ترتكز عليها طريقتنا لكن كل ذلك جاء بلا طائل؟ والإجابة - كما يوضح ديب - أنه إما أنه ليس بمقدورك التوصل إلى سبب التوتر الذي تعاني منه، وذلك لأنه متغلغل بعمق مفرط في داخلك، وهو أمر نادر الحدوث، أو أنك تجد صعوبة في غض الطرف عن المشكلة التي تعاني منها، أي نسيانها، ويستشهد المؤلف بمقولة شوبنهاور: «كلما كانت لدينا متعلقات باتت الحياة عبئا ثقيلا ملقى على كاهلنا وزاد حجم معاناتنا عند الانفصال عن تلك المتعلقات ذاتها» وفي المقابل كلما تقبلنا الانفصال عن أعبائنا، نجحنا بشكل أفضل في التخلص من التوتر.
القاهرة: «الخليج»