في أحد تجلياتها تعتبر الثقافة مكملاً للقيم الإنسانية المتداولة عبر هذا الكوكب، وبالتالي يمكن اعتبارها توطئة مناسبة لبحث إشكاليات التعايش المشترك وتأسيس السلام.
القيم الإنسانية، كما هو معروف، هي القواعد المؤسسة للمنظومة الأخلاقية المتكاملة، التي تمَّ تأكيدها من الديانات، والأفكار الإصلاحية، والأعمال الفنية، والأدبية العظمى.
وقد تمظهرت مثل هذه القيم في الأدب بشتى أنواعه من شعر وقصة ورواية، كما تجلت في مختلف الفنون، ولا نظن أن هذه الأجناس الأدبية تكون فاعلة ما لم تحمل قدراً وافراً من الصدق، والدعوة إلى الحب والبحث عن المشترك الإنساني، وصحيح أن لعبة الأدب هي الخيال، غير أنه مشروط بقيمته النهائية، وبحثه عن الأصل والجوهر، ومناقشته المعاناة البشرية في إطار تنمية وتحفيز مثل هذه القيم الإنسانية، درءاً للمخاطر والصراعات والحروب وكل أشكال العنف والتجني على الإنسان.
تجلت القيم الإنسانيّة في العصر الحديث في كثير من الأعمال العالمية، سواء في «الحرب والسلام» لتولستوي، أو «الأخوة كارامازوف» أو «مذلون مهانون» لدوستوفسكي، وكان الإطار العام لهذه الروايات يعكس العقلية المجتمعية الروسية آنذاك التي كانت الطبقية فيها شيئاً واقعاً متحققاً، فبرع هؤلاء الكتاب في تشريح الواقع بحس إنساني رفيع.
الأدب الغربي كذلك، (همنغواي نموذجاً)، طرح في «الشيخ والبحر» بطله ليواجه عوائق الحياة مفعماً بأمل كبير في المواصلة والتحدي والانطلاق نحو المستقبل.
هناك دراسات لا حصر لها ناقشت كثيراً من ملامح القيم الإنسانية في الأدب قديمه ومعاصره، ومن ذلك مثلاً الشعر العربي المعاصر، فأمير الشعراء أحمد شوقي - على سبيل المثال - كان أول من لفت إلى الجانب الإنساني في التراث الشعري القديم، فقال في «شوقياته»: «إن الشعر العربي القديم قد التفت إلى هذا الجانب الإنساني بالذات، وعالج قضايا كثيرة تتصل به، ولم يكن كله غزلاً ومدحاً وهجاء وما إلى ذلك من أبواب الشعر المعروفة».
الشعر نجح في كشف النفس والتعبير عن نوازعها ومعاناتها، وتعرية مشكلاتها ودحض جنوحها نحو التطرف والمغالاة، وهو انشغال كان يعبر عن قيم إنسانية عليا تدعو لإعلاء المثل والأخلاق.
القصة المعاصرة كانت سباقة في طرح مثل هذه الأبعاد، يوسف إدريس مثلاً، وبحسب دراسة للباحث أحمد حمادة، كان نموذجاً في إعلاء القيم الإنسانية في أدبه، واستطاع أن يصوِّر هذا الجانب في قصصه وأن يبرز قضايا الإحساس بالذَّات والتَّفاعل مع الواقع الإنساني، وتصوير الشخصية الملتزمة في سعيها للحب والانتماء للوطن.
ohasan005@yahoo.com