Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

الكتاب.. رسالة الشارقة إلى العالم

$
0
0
بقلم: صالحة عبيد غابش

البوابة الشارقية إلى العالم هي «الثقافة»، تلك اللغة التي تحتاج من يجيد التحدث بها كي تلهم كل إنسان يهتم بشؤون المعرفة والتطور العلمي والبحوث والدراسات برؤية مستقبلية تجعله في مركز المسؤولية في البناء.. وأي شيء أهم من موضوع البناء في زمن عشش فيه من يستلذون بضده؟.
الكتاب هو الرسالة التي أوصلتها الشارقة إلى العالم، حاملاً بين غلافيه انعكاسات الثقافة العربية والإسلامية، وحقيقة الإنسان الذي يقطع درب الحياة وفق منهج يرتقي به إلى إنسانية نابضة بالمحبة والرغبة في العيش بسلام مع الغير، المختلف عنه، وحب المعرفة والعلم والمشي باتجاه التقدم مشاركاً في بناء الحضارة وتقوية وجودها لصالح البشرية.. ذلك الاتجاه الذي أراد الله سبحانه أن نسير وفقه، لأنه ببساطة يحقق هدف التعمير، لذلك حصلت الشارقة على لقب العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019، لأن الكتاب - ذلك المصدر المهم للثقافة - كان العماد الذي تأسس عليه هذا الاتجاه الإنساني المتحضر بالرغم من صعوبات بداياته التي أشار إليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في كلمته في فرانكفورت قائلاً:
«كنا نتكئ برؤوسنا على معاصمنا، لقلة الزائرين في معرض الشارقة للكتاب في بواكير انطلاقاته، ولذلك فإن أي إكرام لهذا البلد فهو لأنه مستمر في بذل الجهود لنشر المعرفة والتي أساسها الكتاب ولذلك ما زالت بخير».
في كل عام ينظم فيه معرض فرانكفورت ننتظر كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي هذا الرجل الذي سلمته الثقافة أوراقها مطمئنة إليه قارئاً وكاتباً، حافظاً ومؤرخاً، مُهْدياً وناشراً لها في آفاق العالم الواسعة، والمزدحمة بفوضى الاستهلاك والتقنيات والانشغالات اللامحدودة باليوميات.
حين يطل عام جديد على معرض فرانكفورت، يصبح التوقع أكيداً بأن كلماتٍ سيرسلها أثير الإعلام إلينا تفتح أمامنا متنفساً جديداً ونقياً للحياة، يلهمنا بصعودٍ سلسٍ إلى معنى أن نعيش، ومعنى أن نبني لأنفسنا ومجتمعنا ووطننا وعالمنا جبالاً من القيم راسخة برسوخ بناء الإنسان إلى أن يشاء الله تعالى.
«إنه يحلق بجناحي الإسلام والعروبة» عندما يسألني أحدهم عن الشارقة، وكيف وصلنا إلى هذا كله؟ فأجيبهم: أنا أطير بجناحين أحدهما «العروبة» والآخر «الإسلام»، فأعمالي في العالمين العربي والإسلامي معتدلة واضحة، «وليس لدينا ما نخفيه خلف الستار».. في وقت أخذ البعض فيه بالتحليق بجناحٍ واحد فانحرفت به الاتجاهات واصطدم بكل ما هو «إنساني»، وانهار في قيم الظلام.. إما لأنه مخدوع ببريقها اللاإنساني فلم يفهمها جيداً وترك العنان لأفكاره أن يصوغ منها ما تتواءم وتطلعاته ومصالحه الدنيوية، وإما لأنها غير مكتملة بجناح آخر.. يحقق له التوازن في التحليق، والاتزان وهو يتعاطى مع أفكاره وعلاقاته مع الغير ومتطلبات عيشه، والدوافع التي تحفزه على تحقيق أحلامه المستقبلية.
لطالما أحببت هذين الجناحين الذي يسير بهما صاحب السمو حاكم الشارقة وتساءلت: كم منا مؤهل لأن يحقق لنفسه التوازن بهما؟ متى يستطيع التحليق بهما إلى العالم في فضاء يتنفس أوكسجين الثقافة والمعرفة والقيم الضرورية للبقاء في ذلك المكان البعيد في غاياته، القريب من خطط تجعل الواقع أجمل؟ وما هي القوة التي يمكن أن تمدنا بالبقاء محلقين.. وكم من الوقود نحتاج إليه لذلك؟
إنه التأثير، أن يبقى المثقف ذا تأثير عالٍ في مجتمعه، غير بخيل في عطائه، غير منغلق على ذاته في حيز الضيق والتهاون والكسل واللامبالاة، مستمراً في البحث عن جديد يستلهمه من أحداث تتعلق بالجانب المضيء بالحياة.. إذ ليس بالضرورة أن ننكفئ على الأمكنة التي تعكس إحباطاتنا وأوجاعنا حتى نكون مثقفين أو كتاباً وأدباء، أو فنانين كهؤلاء الذين يشاركون في إنتاج الأعمال الدرامية التي وجدت في مشاهد العنف ما يغذي رغبة المشاهد، ويغذي خزائن الإنتاج «من يستخدم الوسيلة الإعلامية غاية للمال، فيعرض ما هو غير صالح من أجل كسب المشاهدة والحصول على إعلانات تجارية من دون الالتفات إلى الأثر السلبي لما يعرض» نعم، وكأن الحياة بما تتطلبه من عمل وسعي وركض باتجاه المستقبل واستثمار للقيم الإيجابية التي تمنح الاستقرار في الحياة الإنسانية لم تعد من القوة بحيث يكون تأثيرها إيجابياً، ولا فضاء فيه للتحليق الجميل! كل ما يجب أن نسعى إليه هو الحقيقة بكل وجوهها.. وهي الحقيقة التي أصبحت غائمة لا تستطيع أن ترى لها وجهاً واضحاً. إنّ صوتاً عربياً قوياً، تلتفت إليه العقول والقلوب على حد سواء وبكل اللغات، هو صوت صاحب السمو حاكم الشارقة الذي يطرق أحلامنا، فينبهنا لأن نجدد قائمة أعمالنا، ويحرك فينا موج الفكر، ويحملنا على البحث والتفكر والتدبر، بل ويلهمنا بأن نتميز.. تصبح لنا رؤية مختلفة وجديدة مفتاحها كلمات سهلة ممتنعة تصل من دون حاجز، ومن دون تردد.. لا لأننا نسمح لها بالانسياب إلى أسماعنا ومنها إلى الفكر والروح، ولكن لطبيعة الكلمة واللغة بل ولأصالة ما يذهب إليه سموه عبر أبعاد مضيئة بمشاريع التنمية الإنسانية، وأيضاً لأنها الحقيقة، ولأنه مؤرخ فهو مؤمن بأهميتها يعمل على أساسها ويكتب من منطلقها «وما نريده الآن هو الوصول إلى نور الحقيقة ليصبح الفرد فينا إنساناً، أولاً كعربي يصون عروبته، وكمسلم أن يصون إسلامه، وأن يصون إنسانيته كإنسان بشري...لا أتوقف ولا أكلّ ولا أملّ، فأنا في جهاد واجتهاد، أشتد صلابة وإصراراً بالفكر لا بالسلاح».
هذه الحقيقة تتجاوز السرد التاريخي الذي يهتم به سموه، أي اهتمام إلى البحث في تفاصيل الواقع ومعرفة أحوال الناس التي تبدأ بنظرة اهتمام واحتواء للطفل/‏ لفكره وسلوكه، لصحته وعافيته وعلمه الذي يكتسبه، لمتطلباته وحاجاته المعيشية، ليلتقي ذلك كله في هدف تضاعفت أهميته في زماننا هذا وهو أن يحمي فكر الطفل والناشئ من كل فكرة ظلامية «أعمل لحماية أبنائي من أن يكونوا قابلين للانحراف بسهولة، ولأحمي أبنائي من هذا الخطر لا بد أن أعلمهم وأحصنهم، فبعد ذلك لا خوف عليهم حتى لو تواجدوا في أي ظروف، فيستطيع كل منهم أن يقاوم ويفكر» ولا تنتهي هذه النظرة عند فئة معينة أو شخص محدد.. لذلك ليس بمستغرب أن تصبح الشارقة مدينة عالمية للطفل، ومدينة عالمية للمسن. والمسن هنا لا يعني الشيخ الكبير وحسب، بل أفراد المجتمع كلهم.. فنحن نطمح إلى استقرار المجتمع الذي يقنع فيه الإنسان بواقعه، فإذا قنع الإنسان بالواقع استراحت نفسه.. ويطمئن قلبه، وكما قال المولى عز وجل في كتابه الحكيم: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب».
ولا نزال نتطلع إلى تلك الكلمات التي قلت في البداية إنها تلهمنا المزيد من الصعود إلى أعلى طموح نريد أن نحقق به دوراً في تنمية فكر، وتوجيه سلوك، واستقرار مجتمع فرد، وإثراء حياتنا الثقافية والمعرفية بما نستحق به أن يكون حضورنا فاعلاً في العالم الإنساني.. رائدنا في ذلك هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.. نحلم معه بأن نتوسع في التواصل مع الثقافات الأجنبية لننقل مخزوننا الثقافي والعلمي إلى مختلف الحضارات، ونرجو الله معه أن يكون هذا العام عام تحول واندثار للظلام وبروز للنور.. ونقرأ معاً مقولة ستظل راسخة في الوجدان حيث يقال: «أي معرض للكتاب هو مكان تحت الشمس».


*جميع الاقتباسات في النص من كلام صاحب السمو حاكم الشارقة



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>