يقدم معرض أبوظبي الدولي للكتاب برنامجاً ثقافياً طموحاً يغطي عدة جوانب فكرية وأدبية، تجعل تجربة زيارته وحضور تلك الأنشطة تجربة مفيدة، وتبرز الموضوعات الفكرية والندوات المتعلقة بفيلسوف قرطبة أبي الوليد أحمد بن محمد بن رشد، الذي يحتفي به المعرض هذا العام ويفتح نقاشاً مستفيضاً لاستعادة أفكاره وتحليلها، وتثمين أثره في الفكر الإنساني، حيث مثل ابن رشد وسيطاً بين فلسفة اليونان وفلسفة عصر النهضة الأوروبية، فكان لا بد لتلك النهضة الفكرية أن تنطلق من شروح ابن رشد ونقده وإضافاته لنظريات أرسطو وأفلاطون وغيرهما، ومن هنا كانت أهمية الاحتفاء به، واستعادته لأن في ذلك أيضاً استحضاراً لإمكانات الحوار بين الثقافة العربية وبين الثقافات الأخرى، وهذا الحوار مطلوب اليوم على عدة مستويات، وعلى المستوى الفكري يبدو أكثر إلحاحاً، وهذا المطلب كان له صدى في موضوعات أخرى من البرنامج الثقافي، مثل الندوة التي استضافت الفيلسوف الإيطالي فرانكو كارديني وتحدث فيها عن ما يسمى «التطرف» في البلاد الإسلامية كما يراه الغرب، وشكل حديثه فرصة لنقاش فكري مستفيض حول هذا الموضوع.
من الموضوعات البارزة التي يمكن التوقف عندها، البرنامج الواسع الذي خصص لموضوعات الرواية، ما يعكس الاهتمام المتزايد بهذا الفن الذي أصبح يكتسح ساحة القراءة العربية، ويجد إقبالاً عليه خاصة من الأجيال الجديدة، ومن الموضوعات التي طرحت كيفية تحقيق الكتّاب الجدد النجاح في عالم الرواية، وما هي أهم الوسائل التي ينبغي أن يعتدوا بها للوصول إلى الجمهور، وقد ناقش هذا الموضوع الكاتب الأسباني الشاب أندريه باربا الذي رسخ اسمه كأحد أفضل الكتاب الشباب في إسبانيا، بعد أن حققت رواياته انتشاراً كبيراً وتحول بعضها إلى السينما.
الرواية لليافعين هي فن جديد نسبياً على الوطن العربي، ويحتاج إلى نقاش لاستجلاء معايير هذا الفن وقيمه وأوجه تميزه عن الرواية للكبار والتقنيات الفنية المستخدمة فيه، وكان اختياراً موفقاً فقد أصبح من الضروري لنا في الوطن العربي، بعد تراجع الشعر، وانحسار دور الحكائين التقليديين، وتضاءل دور الجدة في المجتمعات الحديثة بعد أن تقلصت الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، أصبح ضرورياً للطفل المراهق أن يجد الكتاب الذي يشبع تطلعاته ويناسب خياله وتفكيره، ويغرس فيه القيم الصحيحة، وهذا الدور تستطيع رواية اليافعين أن تلعبه بجدارة.
من القضايا التي طرحها طغيان الرواية في العقود الأخيرة، قضية التنقل بين الأجناس الأدبية، فقد تحول الكثير من الشعراء وكتّاب القصة القصيرة وكتّاب الأدب عموما إلى كتابة الرواية، بعد أن كانت لهم كتابات في تلك الأجناس، وهو ما طرح سؤالا حول شرعية هذا التحول، وهل الأولى بالأديب أن يحصر نفسه في جنس أدبي واحد، ويلازمه حتى يصل منه إلى درجات الإبداع أم أنه يجوز أن يظل يتجول بين الأجناس، رغم أن ذلك قد يحرمه من خبرة التخصص في فن واحد.
محمد ولد محمد سالم