لماذا غاب التأريخ العربي للفلسفة؟

يطرح هذا الكتاب قضية مهمة هي قضية التأريخ العربي للفلسفة من خلال التساؤل حول هذا التأريخ، أين هو؟ وما أسباب غيابه؟ وما السبيل إلى وجوده وما الشروط الواجبة فيه؟ وكيف يمكن أن نقدمه من خلال رؤية عربية خالصة؟، وما أهم معالم هذه الرؤية؟ ولكي يجيب مؤلف الكتاب د. مصطفى النشار عن هذه التساؤلات فقد قسم الكتاب وعنوانه «نحو تأريخ عربي للفلسفة» إلى مبحثين، استعرض في الأول قضية غياب التأريخ العربي للفلسفة، وأوضح أسباب هذا الغياب، وفي الثاني استعرض المحاولات العربية السابقة للتأريخ للفلسفة استعراضاً نقدياً، واختتمه بتقديم ملامح رؤية عربية مقترحة للتأريخ للفلسفة، ولا شك أن هذه القضية واستعراضها على هذا النحو من قبل الدكتور مصطفى النشار تستأهل النظر والتأمل، فالكتاب في مجمله دعوة مخلصة لأن يعيد الجميع النظر فيما يكتبونه في تأريخ الفلسفة، وهو دعوة لجيل الشباب من الباحثين العرب، لأن يكونوا جيلاً مختلفاً يؤرخ للفلسفة من منظور عربي جديد.
السؤال عن غياب التأريخ العربي للفلسفة أصبح ضرورياً وخاصة بعد مرور أكثر من 200 سنة على بدء عصر النهضة العربية الحديثة، فتأخر الاهتمام بالتأريخ للفلسفة من منظورنا العربي - الإسلامي يدعو فعلاً للتساؤل فهل غياب التأريخ يعني أن العرب لا يملكون حساً تاريخياً أم يعني أن الوعي بأهمية التأريخ لم يتشكل بعد في العقل العربي؟
يرى المؤلف أن البعض قد يحتج قائلاً إن هناك محاولات عربية للتأريخ للفلسفة، وقد استعرض النشار هذه المحاولات التي لم تتعدَ ثلاث محاولات هي محاولة أحمد أمين وزكي نجيب محمود في كتابيهما قصة الفلسفة اليونانية، وقصة الفلسفة الحديثة، ومحاولة يوسف كرم في كتبه الثلاثة: تاريخ الفلسفة اليونانية، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط، تاريخ الفلسفة الحديثة، وأخيراً محاولة محمد علي أبو ريان في كتابه تاريخ الفكر الفلسفي بأجزائه الأربعة.
يشير النشار إلى أن هذه المحاولات انطلقت من وجهات نظر غربية بحتة حول مفهوم الفلسفة ونشأتها وكيفية تطويرها، فقد تبنت وجهات نظر المؤرخين الغربيين في أن الفلسفة معجزة غربية سواء في نشأتها عند اليونانيين أو في تطورها ذلك التطور الذي ليس فيه للعرب لا ناقة ولا جمل اللهم إلا أنهم نجحوا بشكل جزئي في شرح الفلسفة اليونانية وفي التعليق عليها وفي نقلها بأمانة إلى الغربيين.
وإذا كانت تلك المحاولات التأريخية ليست شاملة ولا كاملة فضلاً عن أنها كتبت بنظرة يغلب عليها النزعة الغربية والمنظور الغربي، فلا يزال السؤال قائما: لماذا غاب التأريخ العربي للفلسفة؟، هل لغياب الوعي بأهمية التأريخ، رغم أننا أمة تاريخية تهوى العيش في الماضي.