عثمان حسن
لا يمكن الحديث عن الثقافة من دون ذكر اللغة، واللغة في نطاقها المكتوب والمنطوق هي جزء من ثقافة المجتمع الذي يتحدثها ويستخدمها.. اللغة هي الوسيلة الأولى التي يعبّر من خلالها الإنسان عمّا يجول في خاطره من أفكار، وهي في أحد تعريفاتها «الناطق الرسمي باسم الثقافة» وأحد أوجه تميز أي أمة أو شعب من الشعوب.
وهي أيضاً مجموعة من الرموز التي تأخذ معاني مختلفة، وهي من اختصاص الإنسان، وقد تكون لفظية وغير لفظية، وهي من مظاهر النمو العقلي والحسي والحركي، وهي نظام صوتي، وأداة اتصال وتعبير، تنقل الحضارة من جيل إلى جيل.
يشير العالم اللغوي السويسري فيرديناند دي سوسير إلى علاقة اللغة بالثقافة بقوله «إن علم اللغة يرتبط بقوة بالعلوم الأخرى، ويستعير من معطياتها أحياناً، كما يزودها بالمعطيات أحيانا أخرى».
بهذا المعنى، يمكن اعتبار اللغة وسيطاً يعمل في اتجاهين، فهي أولاً حاملة للرموز والدلالات والأنساق والإشارات، وهذه كلها أدوات تعبيرية لا غنى عنها للتواصل، ومن جهة أخرى نافذة واسعة على المعرفة البشرية والإنسانية.
أكثر من ذلك، فقد اعتنى كثيرون من الفلاسفة بموضوع اللغة، ورأى معظمهم أن هناك علاقة وطيدة بين اللغة والفكر، وهذه العلاقة هي علاقة اتصال وتكامل، ومن دعاة هذا الرأي الفيلسوف هاملتون الذي اشتهر بمقولته «الألفاظ حصون المعاني» قاصداً بالألفاظ اللغة، والمعاني هي الأفكار، واقترب من هذا التفسير أو الاتجاه الفيلسوف الفرنسي لافال الذي رأى أن اللغة ليست كما يعتقد البعض ثوب الفكرة، ولكنها «جسمها الحقيقي».
من المهم التأكيد على أن لغة أي شعب من الشعوب لا تتطور من دون احتكاكها بالواقع، وهنا تبدأ اللغة في امتحان قدرتها على نسج خيوط وتشعبات، لها علاقة بنظم المجتمع وعاداته وقيمه، بما في ذلك أنشطته المختلفة، حتى تتكامل مصادر هذه اللغة، فتتمكن من نسج علاقات جديدة مع المجتمعات المجاورة، وتصبح بالتالي وسيطاً للتأثير في هذه المجتمعات، ويصبح بإمكانها أن تستوعب الثقافات المادية نحو ثقافة حاملة لمنجزات الإنسان الحسية والبصرية والروحية.
ترى الباحثة كلير كرامش في كتابها «اللغة والثقافة» أن هناك علاقة تطابق كامل بين اللغة التي يتحدثها أي فرد وهويته الثقافية، حيث إن اللغة من أكثر الإشارات أهمية في العلاقة بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، وأن اللغة تشكل جزءاً من تركيبنا العضوي، وتهيمن على وجداننا، ورؤيتنا للعالم من حولنا.
Ohasan005@yahoo.com