الفن هو قدرة الإنسان على التعبير عن نفسه أو ترجمة أحاسيسه ووصف محيطه بأشكال مختلفة، والتكنولوجيا هي الأدوات والمنتجات والمعالجات والتنظيمات التي يستخدمها الإنسان لزيادة قدراته وإمكانياته في تنفيذ العمل، وإن لم يضف بصمة تميزه لا يمكن اعتباره إبداعاً بالمعنى المعروف، فالإبداع هو الإنتاج الجديد والمفيد والأصيل الذي يلفت الانتباه إلى تميزه وتفرده وقدرته على إدهاش المتلقين.
ورغم ما يبدو أنه مصالحة بين التكنولوجيا والفن والإبداع عبر تهافت الشباب على مدارس وكليات وضعت مسميات كثيرة ومتعددة للفن باستخدام التكنولوجيا، لكننا لا نستطيع اعتبار كل متخرج من هذه الكليات فناناً، ولا يمكن أن يصبح الجميع فنانين إن لم يفلحوا بإضافة أو ابتكار جديد مختلف.
وهذه التكنولوجيا التي أسهمت بدعم الفنون وإبداعات الإنسان، وسهلت تقديمها للعالم، لم تتمكن ولن تتمكن من فرض الإبداع على كل منتجاتها أو على من يستخدمها، لأنها وإن سهلت النتاج، لكنها حاصرته وأوقعته ضمن حدود التشابه، ولونته بصبغة واحدة مستنسخة فلم يعد هناك الكثير من التميز، وبدون تميز لا يوجد إبداع أو فن.
ورغم تسمية الفن الذي يتم تطبيقه عبر التكنولوجيا بالفن الحديث، لكن يبدو أنه علينا تغيير هذه التسمية حفاظاً على معنى الفن أولاً، والانتباه إلى أن الحداثة التي سترتبط بالفن يجب أن تكون حداثة في الأسلوب أو في الابتكار الذي يصنعه الإنسان، وليست الآلة المستنسخة، كما علينا الانتباه إلى أن التكنولوجيا لم تصل بعد في مقدرتها إلى ابتداع فن جديد، لأن الإبداع الأساسي يتمثل في قدرة إنسان مبتكر على منح التكنولوجيا القدرة على إنجاز عمل ما، لكن إنجاز التكنولوجيا نفسها ليس إبداعاً بقدر ما هو إعادة إنتاج ما دامت كل الأدوات والوسائل التكنولوجية تتشابه قدراتها في إنتاج عمل فني وبنفس المواصفات والقدرات.
ومن الخطأ اعتبار ما تقدمه التكنولوجيا من منتجات قد تتنوع بين التشكيل والخط والرسوم والأعمال الأدبية إبداعات، أو تشبيهها بقدرات عمالقة الفنون التي أنجزت مخيلاتها وعقولها الموهوبة روائع لا تزال محل دهشة وتقدير من العالم على مر العصور، وهو ما يجعلنا بحاجة ماسة إلى الفصل بين تطور الفن الإنساني الحديث، وتفرد كل عنصر من عناصره وتميزه، وبين تطوير الإنسان للفن التكنولوجي، فما يقوم به المستخدمون أو المتفاعلون مع التكنولوجيا لا يعد إبداعاً بل استخداماً لإنتاج وربما سيتميز هذا الإنتاج إن تفرد مستخدمه بإنتاج يختلف عن الآخرين.
لقد سهل استخدام التكنولوجيا الكثير من الأمور التي كان البعض يجدون فيها مشقة ويعتبرونها تحديات، لكن هذا لا يعني بأن كل مستخدم للتكنولوجيا يمكن تلقيبه بالفنان أو المبدع، لأن المشقة ومواجهة التحديات جزء لا يتجزأ من شخصية الموهوب، ولأن الإبداع والموهبة والشغف تدفعه لخوض التحدي وتمنعه من القبول بالسهل المعتاد.
basema.younes@gmail.com