Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18117

سؤال «العولمة الثقافية»

$
0
0
محمدو لحبيب

مما لا شك فيه أن البشرية قاطبة تغدو أكثر شعوراً بالسعادة؛ حين تسمع عن اكتشاف جديد يخدم الحياة على هذا الكوكب، فحين ينتشر خبر اكتشاف عقار يقضي على مرض السكري، أو يزيل خطورة الكوليسترول، أو يقي من الإيدز، تنتشر حالة من التفاؤل في أوساط الناس جميعاً، حتى ولو كان هذا الاختراع في مكان بعيد عنهم، وربما لن يصل إليهم إلا بأسعار عالية، وليست في متناول الجميع.
حالة التفاعل تلك هي جزء مما يُسمى في الأدبيات النخبوية بـ«العولمة الثقافية»، تلك التي باتت تفرض نفسها على الجميع ببطء، وكأنها أصبحت قدراً حتمياً لا مفر منه؛ حيث لم يعد في هذا العالم أي مكان للخصوصيات الثقافية، وما فاقم ذلك ظهور ما يُسمى «ثورة الإعلام الجديد»، التي استشرت حتى عمت من كانوا يوصفون بالحذرين تجاه القادم من الآخر.
قد لا يتفق الكثيرون على تلك الصورة الذهنية المتداولة حول «العولمة الثقافية»، وحول أدواتها كالإعلام الجديد وغيره..، التي تأتي مرادفة لهيمنة الآخر فكرياً، وتلاشي وذوبان الثقافات المختلفة، أمام تيار الثقافة الواحدة، التي اخترعت -أصلاً- كل وسائل التكنولوجيا، وتتحكم في الملكية الفكرية لمعظم المنجزات والاختراعات.
وربما يرى أولئك أن مثل تلك الصور الذهنية هي نوع من ممارسة «الفوبيا» من الآخر، واتخاذ موقف مسبق من كل الإنجازات، التي يبدعها البشر على هذا الكوكب، وأن كل تطوير هو في خدمة كل الناس، ولا يوجد أي سبب يدعو لوصفه بالغزو من جهة ما لبقية الثقافات، واعتداء على حريتها الخاصة وتركيبتها الذاتية.
لكن الذي يشجع بعض من يقرعون نواقيس الخطر في وجه الثورات المعولمة للثقافة، هو بالضبط تلك الاستخدامات الخطرة للإعلام الجديد، التي من أبرزها استخدام المتطرفين لشبكات «الفيسبوك» و«تويتر» والبث المباشر في نشر مشاهد العنف والقتل.
وفي الواقع، تبدو حجة هؤلاء قوية؛ حين يتحدثون عن استحالة التحكم في تلك التكنولوجيا الاتصالية، وفرز من سيستعملها مسبقاً، وتحديد نواياه، وما إذا كانت تخدم مناحي إيجابية أم أنها تنزع نحو الشر والتدمير.
وليس ذلك هو وجه الاعتراض الوحيد طبعاً في وجه تغول وانتشار أدوات العولمة الثقافية من إعلام جديد وغيره، ومع ذلك وفي خضم الجدل، الذي يظهر تارة ويخبو تارة أخرى حول مسألة القبول والتسليم بتلك الظاهرة من عدمه، يبقى السؤال المطروح إشكالياً ومحيراً حقاً وهو: إذا سلمنا بأننا نحن -العرب- نعاني الانفتاح على مخرجات «العولمة الثقافية»، فهل نستطيع فعلاً إيقافها عن الانتشار في مجتمعاتنا؟ أم أنها كالرصاصة لا تحتاج إلى إذن لاختراق الضحية؟

pechike@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18117

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>