باسمة يونس
التنمية الثقافية تعني تحقيق زيادة تراكمية ودائمة عبر فترة من الزمن في الإنتاج والخدمات باستخدام الأساليب العلمية، ويتشارك فيها المواطنون مع الحكومات، وتعرفها الأمم المتحدة بأنها العمليات التي تتم من أجل تحسين الأحوال في المجتمعات كي تندمج في حياة الدولة وتسهم في تقدمها.
وبهدف تحقيق تنمية ثقافية تسعى المؤسسات الثقافية لإعداد خططها التنموية، التي تعتمد في معظم هذه المؤسسات على مستشارين من ذوي الخبرة، مستهدفة بذلك منافسة الآخرين في تحقيق التنمية النوعية الأفضل.
وتتجاهل هذه المؤسسات مهمتها الأساسية ودورها الأهم ألا وهو تنمية المواطن المثقف، من خلال إشراكه الفعلي وارتباطه الواقعي والتفاعلي في إعداد الخطط التنموية التي تستهدف المجتمع.
يبدو كأن المفهوم الصحيح لمعنى الثقافة وتنمية المجتمع ثقافياً، غائب تماماً عن هذه الخطط التي لا تزال تقيس مؤشراتها التنموية بعدد الحاضرين من الجمهور لفعالية ما أو بإنجاز متحقق خلال فترة زمنية محددة.
كما يغيب عن هذه المؤسسات معنى التنمية الثقافية وطبيعتها التراكمية والمستمرة، وهذا ما يدل عليه عدم توحيد جهودها أو مضمون ومحتوى الثقافة التي ترغب في تنميتها، ومهمتها الرئيسية أن تجعل هذه الثقافة جزءاً لا يتجزأ من طبيعة الناس وسلوكهم وتصرفاتهم.
ولا تتأتى التنمية الثقافية من التنافس على رسم المخططات الاستراتيجية التي يضعها خبراء دوليون منفردون، أو من خلال نقل ما حققته نماذج عالمية، بل تتحقق باعتماد كل دولة على مواردها البشرية من مثقفيها الذين يشاركونها طموحاتها، وستنجح حينما تنفذ بأيدي وعقول أبنائها وما تجذر في وعيهم بأهمية الحفاظ على قيمهم الثقافية الأصيلة، وعدم التنازل عنها مقابل التطلع نحو التغيير.
خطة التنمية الثقافية ليست خطة زمنية تنتهي بنجاح تنفيذها خلال الفترة الزمنية المحددة لها، ولا يمكن تقييم نجاحها من خلال مؤشرات تقيم أرباحاً أو خسائر اقتصادية، ولا يمكن حصرها ضمن سنوات معدودة، لأن التحقق من نتائج تنمية المجتمع ثقافياً وتحليل هذه النتائج هو الآخر عمل تراكمي وقياس مستمر للسلوكيات.
كما أن الخطط الاستراتيجية للمؤسسات الثقافية، ليست خططاً تنافسية بقدر ما هي خطط تكاملية، يجب توحيدها ضمن خطة واحدة، ويمكن بعد القيام بدراسات استكشافية تستطلع حقيقة وواقع التنمية الثقافية المتحققة بالفعل ومدى جاهزية البنية الأساسية المتوفرة التخطيط من أجل تطويرها مستقبلاً.
على المؤسسات مجتمعة تعريف وتحديد العناصر الأساسية للتنمية الثقافية المطلوبة مستقبلاً كي تصبح ركائز راسخة لمسيرة تنمية متواصلة ودؤوبة تحافظ على التراث والهوية الوطنية.
basema.younes@gmail.com