Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

الثقافة في مواجهة القوة

$
0
0
محمدو لحبيب

ربما هو حدث العام الثقافي: أن تنسحب دولة الاحتلال «إسرائيل» من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو».
وبطريقة مهينة لوجه الثقافة، وتنبئ عن ازدراء كبير وعميق لكل خطاب المنظمة الثقافية المحارب للعنف والتطرف والمناهض لتهميش الناس وثقافاتهم، طرحت دولة الاحتلال انسحابها في عطلة عيد الميلاد وعبر بريد إلكتروني دون أدنى احترام لمقتضيات الإتيكيت المعمول به في مثل هذه الحالات.
تنقم «إسرائيل» -كما تزعم- من اليونيسكو انحيازها لصالح الفلسطينيين، وهل فعلت اليونيسكو سوى تطبيق منهجها ومبادئها في حماية الثقافة الأصيلة في وجه القوة المتغطرسة والمستبدة؟.
التراث التأسيسي المتراكم لليونيسكو يؤشر إلى أنها لم تقم بأكثر من واجبها، لكن وجه القوة السيئ لا يريد أن يرى سوى نفسه ضمن المرآة، لا وجود للثقافة العالمية ولا اعتبار لها ما لم تخدم مشروعه، إنها معضلة فكرية حقاً وسؤال كبير: هل يجوز لأي مثقف أن يتماهى مع منطق الغلبة للقوة فقط، وأن يمجدها دون اعتبار لميزان الحق وثوابت الشرعية؟.
في هذا العالم الذي نعيش فيه والذي يدخل عاماً جديداً من عمره، تندلع حروب عديدة ويموت آلاف الأشخاص حول العالم من جرائها، وتنتشر أفكار متطرفة عديدة، ويتلطخ الكوكب بالدم المسفوح، لكنّ ثمة عديدين حول هذا العالم برغم اختلاف ثقافاتهم ومرجعياتهم الفكرية، مازالوا يتخذون مواقف واضحة من الثقافة ومن دورها المؤسسي في مكافحة كل أشكال التمييز والاحتلال والعنف والإقصاء.
إنّه إيمان منسجم مع الذات العارفة بمقتضيات وطبيعة دور المثقف مهما كان موقعه، ولعل من الوارد هنا أن نذكر أن تاريخ الثقافة العالمية يحتفظ ببعض النماذج المشهورة، والتي تلقت انتقادات عديدة لأنها كانت بطريقة ما كانت ممجدة لفلسفة القوة ولأحقيتها في السيادة، بغض النظر عن المبررات الأخلاقية المناقضة لذلك.
ومع ذلك ليس من السهل في عالم تحكمه مؤسسات إعلامية واقتصادية وثقافية جبارة، أن يقف شخص أو تقف منظمة ثقافية لتنحاز إلى جانب الضحية في وجه المحتل الغاشم، وتذكر يوميات الأحداث الثقافية في السنين المنصرمة، نماذج عديدة هي الأخرى تعرضت للمحاكمات وللدعاوى القضائية ضدها، وللمحاصرة الإعلامية لأنها فقط تجرأت وعبّرت عن قناعاتها وعن رفضها لطغيان فلسفة القوة وعرابوها.
ما الذي ستستفيده الثقافة العربية من هذا الحدث، وكيف يمكن أن يشكل دفعاً لها في مواجهتها مع الثقافة النقيضة الأخرى؟.
الكثير يمكن أن يُتخذ انطلاقاً من هذا الوضع الحالي، فالمؤشرات المستنتجة منه تفيد أن الأحرار في العالم ما زالوا قادرين على كتابة التاريخ، وما زالوا قادرين على إيقاف مد الطغيان والاحتلال، وما زالوا قادرين على الاستثمار في الفعل الثقافي المقاوم.

pechike@gmail.com

Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

Trending Articles