يتمثل دور المؤسسات الثقافية في توظيف الثقافة توظيفاً إبداعياً يسهل مهمة دمج أفراد المجتمع في التغييرات الإبداعية المتسارعة، وإعدادهم لمواجهة مستقبل جديد مختلف، ونقلهم من الماضي إلى المعاصرة بانسيابية.
ويضع هذا الدور معظم هذه المؤسسات في مواجهة تحديات كبرى؛ تتمثل في تعريف الدور الوظيفي للعاملين في مجال الثقافة، وأهمية توضيح الفرق بين موظف لديه القدرة على تسهيل مهمة دمج أفراد المجتمع مع التغييرات العالمية الكبرى، وآخر يقوم بالتخطيط والتنفيذ العملي للفعاليات، فهل تحتاج المؤسسة الثقافية للإداري صاحب الخبرة في التخطيط الاستراتيجي وإدارة وتنظيم الفعاليات أم للمبدع الفنان بوسائله الخاصة في التواصل مع المجتمع ؟، ومَن مِن بينهما سيحظى بثقة المجتمع، وسيجد قبولاً وتجاوباً منه؟.
أما التساؤل الثاني، فهو عما فعلته إدارات الموارد البشرية في هذه المؤسسات القائمة لتحفيز وتعزيز الإبداع، فهل قامت بتصميم الوظائف المناسبة وتهيئة البيئة المثلى لاستقطاب موهوبين لأداء هذا الدور وتقليدهم مناصبَ وظيفية تؤهلهم للعمل مع المجتمع وتحفيز إبداعات الموهوبين فيه إلى جانب دعم مواهبهم ومهاراتهم الإبداعية الشخصية؟
لقد أصبحت الحاجة إلى الموظف الثقافي في المجتمعات المعاصرة ذات التنوع الثقافي والتغييرات المتسارعة التي تتطلب منها تطوير رسائلها الثقافية بشكل شبه يومي، ضرورة أخرى تتزامن مع أهمية وجود موظف إداري للتخطيط والتنفيذ ولن تتمكن هذه المؤسسات من أداء دورها من دون عملهما جنباً إلى جنب.
ويزداد الدور الوظيفي للمبدع أهمية من ناحية ثقة المجتمع بوجوده ملهماً ومحفزاً للإبداع والقبول به نقطة للتواصل بينه وبين مفاهيم وعناصر الثقافة والمجتمع، وهو ما يجعل المؤسسات الثقافية الراغبة في مد الجسور بينها وبين مجتمعاتها مُلزمة بأن تضع على قائمة مخططاتها تعيين موظفين من المبدعين.
وهذه الوظيفة الثقافية، التي لا يشغلها سوى موهوبين من ذوي المهارات في المجالات الإعلامية أو الأدبية أو الفنية أو التكنولوجية تعد من أساسيات تثقيف الناس وركائز تطوير المجتمعات وتنميتها فكرياً وثقافياً.
ورغم ذلك لا تزال الوظيفة الثقافية إلى اليوم مستبعدة؛ بسبب اعتماد المؤسسات الثقافية على الوظائف الإدارية اعتماداً مطلقاً من منطلق تغليب مصلحة التخطيط وسياسات العمل الإداري بغرض تحليل النتائج، وهو ما أخضع المجال الثقافي بكل عناصره واختلافاته وتميزه لهيمنة أساليب التفكير الإداري، محولاً الإبداع إلى استراتيجيات والتفكير الحر إلى معاملات نظامية والابتكار إلى خطط مقننة تقف في وجه مفهوم الإبداع الحر، وتتحدى المبدع والمثقف بأنظمة روتينية مجحفة.
basema.younes@gmail.com