الإمارات في عام زايد الخير تسعى لأن تعود العربية إلى مكانتها كلغة أم وتتربع على عرش الاستخدامات والتعاملات، فهي السبيل للتواصل والتقارب والتلاقي.
ثمة مشاكل كبيرة تتعاظم في أثرها السلبي على منظومة الهوية العربية، خاصة فيما يتعلق بلغتنا العربية، تتمثل أولاً في هجرة الأفراد والجماعات إلى اللغات الأخرى.
إن ما نلمسه اليوم من عزوف حقيقي، خاصة من قبل فئة الشباب عن القراءة باللغة العربية، أو مطالعة الأفلام ومنتج الإبداع العربي، أو حتى المجلات العربية، والتهافت على المواد الإعلامية الأجنبية، وعلى الكتب والقصص والروايات بلغات حية أخرى، صار أعمق من موجات الموضة. هذه الظاهرة باتت واضحة جداً حتى صار يصعب على النشء قراءة المواد العربية والتفاعل معها، رغم أن اللغة العربية بحر لجيّ متنوع الخيرات، وفيها من العمق والمرادفات ما يغني عن الركض وراء لغات أخرى، كما أنها يفترض أن تكون قريبة منا لأنها لغة القرآن الكريم، وهي اللغة التي نتنفس بها الحياة منذ الولادة، إلا أن واقع الفرد اليوم يمتلئ بالكثير من التقلبات التي تؤكد تفوق اللغات الأجنبية، بدءاً من مسيرة حياته التعليمية من مربيات في مرحلة الاحتضان الأولى يعبثن باللغة، ومن ثم حضانات ودور رعاية تمهيدية تدرس الإنجليزية وتطلع الطفل على الأغاني وعلى الرسوم الأجنبية وعلى البرامج المتلفزة بلغة أجنبية أيضاً وبرؤى تنطلق من أنها أقرب وأكثر جذباً وسهولة ووفرة، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه لاشتراطات مرهونة بالقبول الجامعي والأكاديمي لضرورة التمكن من اللغة الإنجليزية وليس ثمة اختبار للغة العربية وقواعدها في مقابل ذلك.
إن ما تمر به اللغة العربية اليوم لأمر يحتاج لعناية فائقة ووقفة متأملة، خاصة وأن جيلاً كاملاً قد تشكل وعيه بلغة مزدوجة لا هي عربية ولا هي إنجليزية، وباتت تنسحب على تصرفاته وعلى مزاجه وعلى تطلعاته وميوله واهتماماته، فإنعاش اللغة مسألة حيوية خاصة ونحن في عشرية القراءة ولغتنا العربية مفقودة.
يعتبر «العربيزي» وهو الكتابة العربية بأحرف إنجليزية، أحد التحديات التي تواجهها اللغة العربية والهوية، وأنه أثناء عملية التصنيف للمحتوى الرقمي فإن «العربيزي» لا ينضم إلى المظلة العربية أو الإنجليزية، لذلك فإن القيمة المعرفية يخسرها المحتوى العربي، وأهمية وعي المستخدمين بهذا البعد تقلل من أثرها السلبي في مجتمع المعلومات.
إن خطوة إنشاء مجمع اللغة العربية في الشارقة من خلال دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هي خطوة بالغة الأهمية تبرز الحرص على أن تكون العربية في صدارة اللغات التي نتعامل بها اليوم.
هذه الخطوة في دعم العربية والانتصار لها في ظل صعود فكرة خاطئة ورائجة تؤكد أهلية وصلاحية لغات أخرى للتخاطب العالمي؛ ضرورية للمستقبل، خاصة وأن الجيل الجديد، جيل التقنيات والتكنولوجيا والفضاء قادر على أن يترجم أحلامه بلغته الأم فاللغة ليست عائقاً، فضلاً عن أنها فرصتنا لنثبت للعالم قدرتنا على التواجد محافظين على هويتنا وأصالتنا من دون أن نكون نسخة من الآخرين.
عائشة مصبح العاجل