الرواية كما يقال هي أكثر الأشكال الأدبية انتشاراً. هي ذلك السِفْرُ المكثف المُحْتوي على بعض تشظيات الذات، وانكساراتها، وأحلامها، وآلامها، ونجاحاتها، وإخفاقاتها. هي تلك التجربة الإنسانية التي تتجلى داخلها الحياة بكل متناقضاتها، والتي تستقر في وجدان قارئها أحياناً بعمق، ربما لأنها كانت صادقة التعبير، وربما لأنها وصفت بشكل دقيق شخصياتها فباتت أقرب إلى الواقع الذي يعايشه القارئ منها إلى الخيال الذي هو واقعها الحقيقي.
ثمة سؤال يطرح نفسه بالنظر إلى تلك المكانة التي تتبوأها الرواية: كيف تُكْتبُ الرواية؟ إنه سؤال فني غالباً، ولا دخل له بالموهبة ولا بالمقدرة التحريرية الأدبية التي تميز كاتباً عن غيره، ولا دخل له باللغة وعوالمها الشاسعة وتراكيبها وتناسقها..إلخ، إنه سؤال عن الكيفية التي تولد بها الرواية كشكل مكتمل.
تختلف الإجابات حول ذلك السؤال وتتعدد المفاهيم، ولأن الموضوع كذلك، فليس غريباً أن يجد أي باحث عنه عبر صفحات الإنترنت مثلاً عشرات الأفكار والطرق التي تزعم كلها إمساكاً بطرفه، وترى أنها تحدد كيفية كتابة الرواية بشكل منهجي محدد.
ستطالعك عند البحث عناوين عديدة لكنها متقاربة في المعنى العام من قبيل: «62 نصيحة وفكرة لكتابة الرواية»، و«عشر خطوات لتخطيط روايتك»، و«كيفية كتابة رواية»، و«عشر نصائح لرواية جيدة»، و«ست خطوات لكتابة رواية ناجحة- خطيرة جداً»!..
سوف تكتشف أنك أمام نصائح توجهك كالتالي: «الواقعُ والحياةُ الحقيقيَّة هي من أكبرِ مصادرِ الإلهامِ للرِّوائي، انظرْ حولك، أصدقاءَك، الأُسرة، زُملاء العمل، ضخِم أقوى جوانب شخصيَّاتهم وأنت في طريقك إلى صياغةِ مجموعةٍ من الشَّخصيَّاتِ، يُمكنك مُراجعة هذه التَّدوينة»، أو «ابدأ بكتابة ملخص من جملة واحدة عن روايتك، لا تكترث بأسماء الشخوص في هذه المرحلة، فقط قم بوصف الشخصية، مثال على ذلك: لاعب تنس مشهور متقاعد، الجملة ستُقرأ شيئًا كهذا لاحقًا: (لاعب تنس مشهور متقاعد يتورط مع المافيا بعد موافقته على تدريب ابنة زعيم العصابة)، اعمل جهدك عند كتابة تلك الجملة، لأنه عندما يحين الوقت لكتابة عرض عن كتابك للناشرين، ستكون لتلك الجملة قيمة مهمة، إذ بها ستعمل كعنصر جذّاب لبيع روايتك».
في مقابل هذه القواعد المفترضة كمنهج هناك من لا يرون أن كتابة الرواية تخضع لنمط محدد، ويرون أن لكل تجربة سياقها وتداعياتها التي ليس بالضرورة أن تنجح إذا ما جربها أحد آخر مختلف، وأنه ليست هناك قواعد ثابتة لتشكيل الرواية وكتابتها.
ربما يمكن القول كأحسن المخارج أو الأجوبة عن تشكل الرواية وكيف تكتب، أنها حالة خاصة مرتبطة أولاً بالشغف، ثم بالتجربة الذاتية التي تراكمت عند شخص ما، ثم بالإرادة والمثابرة لتجسيد كل ذلك.
pechike@gmail.com