Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

بين الجواهري وكلاي

$
0
0
تتداول المواقع الإلكترونية اليوم، القصيدة التي وجهها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري إلى الملاكم «محمد علي كلاي» وعنوانها: «رسالة من محمد مهدي الجواهري إلى محمد علي كلاي» قبل أربعين عاماً، ومطلعها «تلاكم وخصمه فهزمه وأدماه فحاز إعجاب العالم وملايينه»، وهي التي حيرت النقاد والباحثين ومحاولاتهم التكهن بما تبطنه.
واليوم وبعد رحيل «كلاي» يبدو أن الحيرة لم تنجلِ عنها مادام البعض يراها قصيدة مدح للاعب، وآخرون مصرون على أنها هجاء لا غير.
والقصيدة التي كان أول عنوان وضعه «الجواهري» لها «حيث تضيع المقاييس»، لم تخرج من إطار هذا العنوان الموضح للهدف من كتابتها، فلا يمكن لمن يقرأ هذا العنوان أن يخطئ المقصود منها، وأن يرى فيها مدحاً لا تهكماً من الواقع، وربما يكون تغيير اسم القصيدة إلى «شسع لنعلك» السبب في الحيرة التي وقع فيها الناس بين من يراها مدحاً، ومن يعارضهم بأنها هجاء.
وكان «الجواهري» في حواره مع الصحافة قد صرح برأيه قائلاً: «توقّعت ذلك؛ لأني أتحدث فيها عن المدى الذي وصل إليه ضياع المقاييس في هذا العالم».
هذه القصيدة التي كتبها الجواهري عام 1973 ونشرت لأول مرة عام 1976 أحدثت ضجة كبرى عند نشرها؛ لأن «الجواهري» خرج بها عن نمط قصائده التي لا يمجّد فيها أحداً، وظنوا أنه كتبها للتغني ببطولات كلاي، بينما قرأ آخرون سخريتها الواضحة، وتهكمها من مقاييس الأمم التي مجدت الملاكم واللعبة نفسها على حساب كل شيء آخر.
وعندما حاورت إحدى الصحف «الجواهري» مستفسرة عن القصيدة وعن مقصده من كتابتها، أبدى دهشته حينها؛ لأنه لم يصدق «فهم الناس الأعوج لشعره التهكمي الساخر من اهتمامات البشرية»، وأضاف قائلاً: «أشاهد الألعاب الرياضية مع أسرتي ماعدا الملاكمة».
لقد تعمد «الجواهري» إذاً هَجْوَ ضياع المقاييس في ممارسة الألعاب العنيفة التي يحصد أصحابها الملايين، ويتحولون إلى أبطال يصدح العالم بأسمائهم ويمجد بطولاتهم الدموية، بينما يعاني الأدباء والنابغون الفاقة والسقوط بين براثن الحاجة والإفلاس.
والجواهري نفسه لم يكن قادراً على تسديد إيجار شقة صغيرة يعيش فيها في أثينا، بينما يربح «كلاي» ملايين الدولارات من لعبة قاسية يدمي فيها خصمه ويحصد بها إعجاب الملايين المتحمسين.
ولا شك أن الجواهري - وكما هو معروف بشاعريته ورهافته - لم يتعمد المساس بشخص «كلاي» الذي دخل الإسلام بقناعة، ومعروف عنه كونه نصير الشعوب العربية ورافضاً للسياسة الأمريكية، وقد سبق أن رفض التجنيد للمشاركة في حرب فيتنام غير العادلة، لكنه يهجو الواقع الذي يمجّد لعبة قاسية ووحشية، ومن الغريب حقاً أن تندرج لعبة مثلها أسفل مظلة الألعاب الرياضية.


باسمة يونس

basema.younes@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>