طرحت الحركة التشكيلية الإماراتية في مسارات تجاربها الرائدة، سلسلة من الاشتغالات المتنوعة على عناصر بناء العمل الفني، فكشفت عن صور متعددة لمفهوم الخط، والكتلة، والفراغ، واللون، وغيرها من عناصر اللوحة، فكانت تجارب الفنانين هي المحرك الأول لتفعيل تلك العناصر، وفتح منافذ جديدة على طاقتها.
يظهر هذا بالتوقف عند نماذج من أعمال رواد الحركة التشكيلية المحلية، فلا يمكن الحديث عن الفراغ في أعمال الفنان عبدالرحيم سالم، وما يقابله من فراغ في أعمال الفنان محمد القصاب، أو الفنان عبدالقادر الريس، وغيرها من التجارب، من دون التوقف عند الكتلة، واللون، والخط.
واحدة من العلامات، التي توقف عندها عدد من الفنانين الإماراتيين في أعمالهم، هي الوحدة الزخرفية بطابعها العربي الإسلامي، إذ اشتغل الكثير من الفنانين عليها بصيغ مجددة، تخرجها من سياقها التقليدي إلى مساحات حديثة تتماهى مع مسارات تجاربهم في مدارس الفنون الحديثة.
تكرس حضور الوحدة الزخرفية في العمل الفني العربي، بأنماط تقليدية منها، النباتية، ومنها الهندسية، إضافة إلى التشكيلات الجديدة التي تزاوج بين الحروف العربية، والزخرفة الإسلامية، إلّا أن الكثير من التجارب الفنية في العالم العربي اشتغلت على هذه الزخارف، وقدمت فيها دراسات بصرية متنوعة، تجاوزت تاريخها المرتبط بالخط العربي، والعمارة الإسلامية، إلى مسارات جديدة، تبحث في مفهوم التكرار، والانعكاس.
يمكن تلمس كل تلك الجهود بالتوقف ملياً، عند نماذج من التجربة التشكيلية المحلية الإماراتية، فعلى الرغم من أن العناية بالوحدة الزخرفية في أعمال الفنانين الإماراتيين لم تكن ظاهرة، بما يكفي لتدرس في سياقات منفصلة، إلّا أنها ظلت حاضرة، وظلت تتكشف في العديد من التجارب، ويتنوع حضورها بما يفتح الباب على النقاش حولها.
اللافت في اشتغال الفنان الإماراتي على الوحدة الزخرفية، هو أن جميعها جاءت في سياق الاشتغال على التراث الإماراتي، وما يمكن أن يعاد إنتاجه من جديد في اللوحة الحديثة، بما يكفل الحالة الخاصة، والهوية البصرية للمنتج التشكيلي الإماراتي، فظهرت الوحدة الزخرفية في الاشتغال على العمارة التراثية، وفي الاشتغال على الثوب النسائي القديم، ونسيج التلي، وغيرها من أشكال الزخرفة التي كانت قائمة في عناصر التراث المحلي.
يتجلى هذا الجهد في تجارب متنوعة في الوسط التشكيلي المحلي، فالمعاين لأعمال الفنانة الدكتورة نجاة مكي، يجد حضوراً واضحاً للوحدة الزخرفية في أعمالها، وكذلك الحال في التجربة الأخيرة للفنان عبدالقادر الريس، إضافة إلى المسار اللافت الذي اختاره الفنان محمد القصاب في عمله على التجريد اللوني.
تعمل الفنانة نجاة مكي، على الوحدة الزخرفية في إطار انشغالها بصورة المرأة في المجتمع الإماراتي، ورصدها لجماليات حضورها التاريخي، فهي تتوقف عند شكل نسيج الماثل في التلي (النسيج الذي كان يزين أكمام الأثواب النسائية قديماً)، وتعيد إنتاجه في صيغ بصرية جديدة، تفتح الباب على مفهوم التجاور اللوني، إذ تظهر الأشكال الهندسية ذات الألوان المتعددة، في مساحات كثيرة من أعمالها، وتخصص تجربة كبيرة من الأعمال ذات الأحجام الصغيرة، التي تعد جهداً بصرياً مدروساً لتكوين التلي وزخارف الأثواب النسائية التراثية.
تختار مكي تلك المساحة من التراث الإماراتي في إطار جهدها القائم على كشف الجماليات، وتلمس التفاصيل، وتحقيق العلاقة التفاعلية بين الواقع والتاريخ، وما يقابله من صيرورة في العمل الفني التشكيلي.
الأمر ذاته يظهر في سياق مختلف عند الفنان عبدالقادر الريس، إذ تعد تجربته الأخيرة التي خرج فيها من الواقعية المحضة إلى التجريد اللوني، والحروفيات العربية، والتي تشترك في تكوينها عناصر من هويته التشكيلية الأولى على رصد جماليات المكان الإماراتي.
يقدم الريس اشتغالاً على الوحدة الزخرفية في العلامة البصرية التي تظهر في أعماله والمأخوذة من العمارة القديمة للبيت الإماراتي، والتي اشتغل عليها لتصبح حضوراً مقابلاً للنقطة في الحروف العربية، فصار تكوينها يتكرر في أعماله بأحجام مختلفة محققاً صيغة جديدة للعلامة البصرية ذات الامتداد التاريخي في عمله على البيت الإماراتي التراثي.
لا ينقل الريس الوحدة الزخرفية بصيغتها الحرفية وتكوينها التقليدي، بقدر ما ينقل مسار حركتها وجماليات حضورها المتكرر، وهو ما يطرح فيه الفنان محمد القصاب جهداً كبيراً في عمله على مفهوم التكرر، والانعكاس، والتكوينات الدقيقة، والخطوط.
يتحقق حضور الوحدة الزخرفية في هذه التجارب الرائدة في الحركة التشكيلية، ليفتح النافذة على المزيد من العناصر والعلامات التي تحتاج إلى دراسة نقدية، ويمكن بالتوقف عندها كشف العلاقة بين اللوحة التشكيلية الإماراتية، ومرجعياتها البصرية التراثية.