يزيح الروائي والفيلسوف ميلان كونديرا «الستارة» ليقدم درساً في فن الرواية، في الحقيقة هو درس في الحياة، تأملات في البشر وروح العالم، هو درس في التاريخ والسياسة والفلسفة، إنه درس في الدرس، درس في عالم الرواية، وهو درس مركب جداً، هو يمزق تلك الستارة التي تشكل حجاباً، هو حجاب حقيقة العالم، فالستارة ترمز هنا لكل حجاب، يمنع من التعرف على حقيقتنا والأشياء من حولنا، إن الاستماع لكونديرا في هذا الدرس، يعني التعرف على حقيقة العالم والوجود، فما يقدمه هنا يتعدى الحديث عن الأدب، لكنه تأمل في حياة يغذيها هذا الأدب ويجعل لها حياة، هو درس حقيقي في عالمه الأثير، عالم الرواية، ويبدو هنا مهماً جداً أن نرخي السمع ونحفز الأذهان في صحبة كونديرا وفي حضرة درسه.
يكتسب درس كونديرا في مؤلفه «الستارة» أهميته الكبيرة في ظل الاهتمام الكبير بفن الرواية وعوالمها، وهو الاهتمام الذي فاق كل الأجناس الإبداعية الأخرى في الأدب حتى صارت الرواية صرعة العصر، التي تتوجه إليها اهتمامات الشباب والأدباء في كل العالم، لتترسخ حقيقة أن هذا العصر هو عصر الرواية، هذا الجنس الذي يمثل عالماً آخر. عالم يحاول فهم الحياة، كما قال كونديرا نفسه، وكذلك يلقى الدرس أهمية إضافية كون ملقيه هو ميلان كونديرا أحد أبرز الروائيين المعاصرين الذي تعكس رواياته مواقف الحياة، ومواقفه هو من الحياة على نحو فلسفي، بل وصاحب انقلاب كبير في الرواية الحديثة خاصة في تجديد بناء النص السردي متجاوزاً الأشكال المألوفة المتعلّقة بالرواية، ولئن كان بيير بيردو قد أنشأ سؤال من يلقي الدرس، فإن المعارف المختلفة، والإبداع الملحوظ في فن الرواية يمنحان كونديرا حق إلقاء هذا الدرس في الرواية.
إن كونديرا وفي خضم هذا الدرس المثير يستعرض في مؤلفه الصغير «الستارة» الروايات العظيمة ليكتشف سر خلودهم، وحتى تلك التي طواها النسيان، يزيح عنها كونديرا الغبار ليقدمها حية من جديد، وكذلك يقدم الروائيين من طينة الكبار، فهو يقدم لك الإغراء الكافي للاطلاع على هذه المؤلفات، ودخول تلك العوالم الروائية العظيمة، هو درس حقيقي في كيفية الرواية، كيف تكتب الرواية دون كبير ادعاء نجد أن كونديرا حري به، فالنقاد والقراء قد أجمعوا على القدرة المهولة لكونديرا في الكتابة، ومقدرتها في اجتذاب المتلقي حتى آخر صفحة، وتتعزز هذه الموهبة في هذا الكتاب الذي نجح في أن لا يكون عملاً أكاديمياً، بل يعبر عن خصوصية كونديرا، ولئن كان كونديرا في «الستارة» قد تناول الكتاب والأعمال التي جعلت منه مؤلفاً فهو قدم سفراً في كيف تكتب الرواية، رغم أنه لم يسع إلى تأليف كتاب عن «فن الرواية»، يحشد فيه طرائق بناء الرواية أو وضع أسس لها، بل تحدث عن تجربته مع الرواية.
alaamhud33@gmail.com