من بين قصائده الكثيرة والجميلة، حلقت إحداها كبلبلة تغرد، وتحث الغاوين على ترديدها، هو إدريس جمّاع الشاعر السوداني المعروف، أما القصيدة التي رددتها قلوب السودانيين فهي «غيرة» التي وجدت حظاً كبيراً من التداول إلى حد أنها قد تحولت إلى عمل غنائي مجيد في السودان على يد الفنان «سيد خليفة» وتقول بعض كلماتها:
أعلى الجمال تغار منا
ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسى الوقارَ
وتسعدُ الروحَ المعنّى
دنياي أنت وفرحتي
ومني الفؤاد إذا تَمَنّى
أنتَ السماءُ بدتْ لنا
واستعصمتْ بالبعدِ عنا
وقد لامست القصيدة موقعاً حسناً عند السودانيين المحبين للشعر الرومانسي، فألفوا حولها القصص، حول المناسبة التي قيلت فيها، ومما يقال إن جمّاع عندما اشتد عليه المرض النفسي، قرر أهلوه أن يرسلوه إلى القاهرة للعلاج، وفي مطار الخرطوم وجد عروساً حسناء مخضبة بالحناء، فأطال فيها النظر وعندما غضب أهلها، ارتجل تلك القصيدة في حينه.
والحقيقة أن هذه القصيدة ليست الوحيدة للشاعر الكبير إدريس جماع، فالرجل كان يكتب على الرمل إذا داهمته القصيدة، فضاع كثير من شعره ونسب بعضه إلى آخرين، وقد عرف عن الرجل اقتناصه للغريب والجميل من التعابير والكلمات والصور، ولد بالخرطوم في «حلفاية الملوك» عام 1922، له ديوان «لحظات باقية»، عاش حياة بؤس وألم، إذ كانت تغشاه لحظات جنون، فلم يقوَ على احتمال الحياة، ليس عذاباتها فقط ولكن حتى جمالها، فتلك من صفات النفس المرهفة، وقد شكا إدريس من بؤس الحياة وشقاء نفسه وكتب عن ذلك.
وهكذا كانت قصائده ونصوصه تتدفق رقة وفي قصيدته «أنت إنسان» يقول:
أنت إنسان بحق وأنا
بين قلبينا من الحب سنى
كل يوم صور عبر الطريق
تزحم النفس بها ثم تفيق
ليس ما هزك حساً عابراً
إنه في الصدر إحساس عميق
في سنة 1980 مات بعد أن أنهكه المرض النفسي، وأصبح يمشي هائماً على وجهه، لكن لم تمت رقته التي احتوتها أشعار يرددها الناس:
إننا طيفان في حلم سماوي سرينا
واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
إنه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا
كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا
alaamhud33@gmail.com