Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18131

الكتابة للآخر

$
0
0
محمد ولد محمد سالم

يشغل الكثير من المثقفين والكتّاب العرب أذهانهم بالبحث عن وسيلة لاعتراف الغرب بهم، وظهور كتبهم في ترجمات غربية، لكي يصلوا إلى الجمهور العريض هناك، ويحصلوا على الشهرة العالمية المزعومة، ويستوي في ذلك بعض الكتاب المشهورين، وصغار المؤلفين المغمورين الذين لا يمتلكون أية موهبة، ويجدّوا في البحث عن طريقة لترجمة كتبهم، حتى قبل أن تنشر باللغة العربية التي كتبت بها، وقبل أن يقرأها القارئ العربي، وكأن لا قيمة لهذا القارئ، ولا أهمية لاعترافه بالكاتب وتقديره لإبداعه، فأصبح الوضع عندهم، وكأنهم ليسوا كتاباً عرباً، وربما لا يعيقهم عن الانسلاخ من الصفة «كاتب عربي» سوى أن تكون لهم قدرة على الكتابة باللغة الأجنبية.
من المهم جداً، أن يُقرَأ المبدع بكل اللغات، وأن يُترجم إنتاجه إلى اللغات الحية، وخاصة الأوروبية التي هي صانعة ثقافة اليوم، ومن المهم أن يصل الأدب العربي إلى كل مكان، وأن يتعرّف الآخر إلى القيم الأصيلة للثقافة العربية التي تعكسها إبداعات مبدعيها، وهذا مطلب دائم لكل من ينتمي لهذه الثقافة، ويريد لها الخير، لكنّ التهافت، وطرْق الأبواب الخلفية، ليسا الوسيلة المُثلى لذلك، ولن يعودا على الثقافة العربية بشيء، بل ربما يكونان شراً عليها، لأن ترجمة أدب رديء لن تزيد القارئ هناك، إلا انغلاقاً وانصرافاً عن هذه الثقافة التي هو في الأصل منغلق عنها، وينظر إليها من أعلى كأنها نقيق ضفادع، لا يجلب إلا الشرور.
القارئ الغربي - رغم ما يتغنى به الإعلام الغربي من انفتاح - هو قارئ منغلق على ذاته، لا يقرأ إلا نفسه، ولا يعترف إلا بثقافته، ولا تجذبه لقراءة الآخر إلا دوافع قوية جداً، منها طبعاً أن يشكل الكاتب ظاهرة أدبية أو ثقافية فريدة، تفرض نفسها على العالم، وهذا نادر، لكنّ من تلك الدوافع أن يتبنى الكاتب أفكار هذا القارئ الغربي، ويعبر عن وجهة نظره في المجتمعات الأخرى، أو أن يعزف الكاتب على وتر الإثارة بكتابات ضد مجتمعه وثقافته، هو مما يلفت انتباه القارئ الغربي الذي ينظر إلى ذلك المجتمع بتعالٍ، ويعتبره لا يزال يعيش ما قبل الحضارة، ويريد أن يشهد له «شاهد من أهلها» على ذلك، مثل هؤلاء الكتاب هم الذين يلقون احتفاء، وتُصرف لهم الجوائز الجزيلة.
النجاح هو أن يكتب الكاتب لمجتمعه بصدق وأصالة إبداعية، ووعي بهويته الحضارية، وأن يعكس طموحات ذلك المجتمع في المستقبل، والنجاح هو أن يقرأ الكاتبَ أهلُه، ويحتفوا به أولاً، قبل أن يحتفيَ به غيرهم، لكنّ ضعف مستويات القراءة في الوطن العربي، وصعوبة النشر في كثير أقطاره، وندرة مبادرات الدعم للمبدعين، هي التي تحول دون تلك القراءة المطلوبة، وتؤدي إلى إحباط المبدعين، وتدفع طالبي الشهرة السريعة إلى طرق باب الآخر بأية وسيلة، حتى ولو كانت ضد مجتمعاتهم وثقافتهم.

dah_tah@yahoo.fr


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18131

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>