Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

بيير بورديو

$
0
0
غيث خوري

يحتل عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930- 2002)، مكانة مميزة في حقل الدراسات الإنسانية لا في فرنسا وحدها بل في العالم كله نظراً لما أحدثه تحليله للظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية من تغيير في حقل الدراسات الثقافية وفي مفهوم علم الاجتماع نفسه.
ولد بورديو في جنوب فرنسا ودرس الفلسفة في مدرسة المعلمين العليا في باريس، ونال فيها شهادة الأستاذية في الفلسفة في عام 1954م، وكان من بين معلميه الفيلسوف الفرنسي ألتوسير، وكان الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا من الذين تخرجوا في نفس الدورة.
بعد تجربة قصيرة له كأستاذ في إحدى الثانويات دعي من قبل المكتب النفسي للجيوش في مدينة فرساي ولكن لأسباب تأديبية أرسل إلى الجزائر حيث أدى هناك القسم الأساسي من خدمته العسكرية، ومن 1958إلى 1960م درس في كلية الآداب في الجزائر واهتم بالدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية وكتب بعد عودته إلى فرنسا مباشرة كتابا بعنوان «سوسيولوجيا الجزائر» ثم أصدر كتاباً آخر بعنوان (أزمة الزراعة التقليدية في الجزائر). ليبدأ بعدها دراسة الفلسفة في السوربون ثم أصبح مديراً لقسم الدراسات في مدرسة الدراسات العليا، ثم مديراً لمعهد علم الاجتماع الأوروبي، كما انتخب عام 1982م لكرسي علم الاجتماع في «الكوليج دو فرانس» وهي أعلى هيئة علمية في فرنسا.
وكانت محاضرته الافتتاحية في «الكوليج دو فرانس» بعنوان (درس في درس) وقد جال فيها بجدارة في ميادين النقد الاجتماعي والسياسي والتربوي والنفسي وختمها بالتحذير من ظاهرة التسامي الزائف التي تنشأ عن إساءة استخدام المعرفة، وهكذا ظل يدرس ويحاضر فيها لغاية عام 2001م.
حمل بورديو رؤية ماركسية نقدية جديدة، تعري واقع الهيمنة والسلطة والتمركز الطبقي، وقد انصب اهتمامه كثيراً على الطريقة التي يعيد بها المجتمع إنتاج التراتبية الطبقية نفسها، بالتركيز على العوامل الثقافية والرمزية، بدل التشديد على العوامل الاقتصادية فقط والتي كانت لها أهمية معتبرة في المقاربة الماركسية الكلاسيكية، ويعني هذا أن السوسيولوجيا عند بورديو هي سوسيولوجيا علمية انتقادية، تسعى إلى تعرية واقع الهيمنة والقوة والنفوذ، وانتقاد المجتمع الليبرالي المعاصر الذي يتميز بالظلم واللامساواة وصراع الحقوق والطبقات الاجتماعية، بمعنى أن السوسيولوجيا هي أداة فعالة للنقد الجذري، وكشف المضمر، واستنطاق المسكوت عنه، وفضح لعبة التنافس والهيمنة، كالعلاقة الترابطية الموجودة - مثلا- بين النجاح المدرسي والأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافي الذي ترثه الأسرة، بعد أن كان هذا النجاح مرتبطا بالذكاء الوراثي، بل إن الحقل العلمي هو أيضا مجال للتنافس والسيطرة والسعي لتحقيق الأرباح، والحصول على الجوائز المادية والمالية، وتحقيق السبق العلمي، والظفر بالمجد والشهرة.
يعتبر كتاب «التمييز: نقد اجتماعي لأحكام الذوق» أحد أبرز مؤلفاته، حيث يشدد بورديو على أن التمييز الثقافي يُستخدم لتعزيز التمييز الطبقي، قائلاً إن «الذائقة»، التي عوملت في علم الجمال بوصفها تعبيراً جمالياً خالصاً، ليست سوى صيغة إيديولوجية تعمل كعلامة مميزة ل «الطبقة». كما أن «عملية الاستهلاك الثقافي مهيأة، على صعيد الوعي أو على نحو متعمد ومقصود، لتحقيق غاية هي جعل الفروق الاجتماعية بين الناس أمراً مشروعاً ومقبولاً».
طوّر بورديو في عمله عدداً من الاستعارات القوية ليصوغ استنادا إليها تحليله لعلاقة القوة والهيمنة في الفضاء الاجتماعي من خلال التراتبية الثقافية التي عدّها أساساً لعمليات التمييز الطبقي والاجتماعي في المجتمعات الرأسمالية، ومن المفاهيم الأساسية التي استخدمها بورديو في تحليله: «إعادة الإنتاج» و«الحقل» و«رأس المال الرمزي» و«العنف الرمزي» و«العرف» و«الانعكاسية».
وإذا كان بورديو قضى شطراً من حياته في البحث الاجتماعي وتحليل الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقد كرس السنوات الأخيرة من حياته المعرفية والعملية في العمل النضالي والمشاركة السياسية الفاعلة ضد الأشكال الجديدة من السلطة السياسية والاقتصادية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>